‫الرئيسية‬ ملفات بابكر كرار .. إسلامي أحب “أم كلثوم” وكره عنف الأخوان
ملفات - ديسمبر 30, 2019

بابكر كرار .. إسلامي أحب “أم كلثوم” وكره عنف الأخوان

الخرطوم – الشاهد
ولد بابكر كرار في 7 فبراير 1930 بمدينه ود مدني، وتوفى في يوليو 1981، بدأ الخلوة مبكرا وتلقى علوم القران على يد الشيخ البوشى، أما تعليمه الأولى فقد كان بمدرسه النهر بمدني عام 1937 ثم المرحلة الابتدائية بالمدرسة الاميرية عام 1941، وفى عام 1945 ذهب إلى امدرمان لاكتمال دراسته الثانوية، وفى السنة الثانية من دخوله مدرسه امدرمان الثانوية قسم الطلاب إلى مدرستين، وكان بابكر كرار من طلاب مدرسة حنتوب الثانوية.
وفى عام 1948 جلس لامتحان شهادة كامبردج البريطانية بكلية الخرطوم الجامعية، وقبل بكلية الآداب، وانتقل الى دراسة القانون في العام الثاني، فصل من جامعه الخرطوم في السنة النهائية لأسباب سياسيه فواصل دراسة القانون بجامعه القاهرة فرع الخرطوم ونال درجة القانون فيها
أسس بابكر كرار حركة التحرير الإسلامي عام 1949 بجامعة الخرطوم، وهي أول نواة لحركة إسلامية بهذا المعنى في السودان وسابق لقيام الاخوان المسلمين، ويقول عنه أحد رفاق عمره أنه كان كان يحب السينما ويعرف كل الممثلين والفنانين المصريين، ويحفظ أغانيهم كمحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وأم كلثوم، وكان لاعب كرة قدم ممتاز، وعلى الرغم من وجوده في ليبيا ودعمه المطلق للقذافي حينها، إلا أنه عارض بشدة حركة 1976 التي دعمها القذافي ضد النميري واعتبرها خيانة متسقا مع تكوينه النابذ للعنف.
وعاب على الإسلاميين ضعف اهتمامهم بتحرير الانسان السوداني من فساد الأخلاق والمعاملات وعدم اكتشافهم للبعد الاشتراكي في الاسلام وعاب على الاشتراكيين ضعف اهتمامهم بالديمقراطية وحكم القانون وانسحب من الواجهة تماما منذ الستينات ليخلو المجال لمن أرادوا الانتفاع بغرسه مع طمس اسمه ومبادئه.
تؤكد بعض الحقائق أن بابكر كرار أحد أنداد الأستاذ محمود محمد طه، ومن المرجّح إذن أنه حدث بينهما ما يحدث بين الأتراب عادة من التأثير والتأثر المتبادل، لاسيما أن كليهما اعتنق فكراً إسلامياً تقدميا ً يجتهد في عصرنة الإسلام وأسلمة العصر بصدق وتمثل ، لا بمجرد شعارات جوفاء، ومن المروي أيضا ً أن بابكر كرار والطيب صالح كانا طالبين في خليةٍ إسلاميةٍ واحدةٍ بجامعة الخرطوم : هي “جبهة التحرير الإسلامي” أو شيئاً من هذا القبيل.
وبعد أن خرج كرار مغاضباً من الحركة السودانية للتحرر الوطني “حستو” والتي كانت تمثل الحزب الشيوعي السوداني حينها، أواخر أربعينيات القرن المنصرم، ولعمرك ما أكثر الخروجات المغاضبة للرجل الذي عاش ومات في غمار خلق الله السودانيين بلا مال ولاجاه ولا تكريس أضواء، والذي صاح في بعض من نعى وأنكر عليه هذه الخروجات المستدامة : “انت قايلني أنا سياسي ؟ أنا زول فنان ياخ!”.
تُرى هل كان سيجيب بابكر كرار صديقه الطيب الصالح عندما تساءل بمرارة حقيقية: من أين أتى هؤلاء ؟ هل كان سيقول له : من غفلتنا أنت وأنا! أم كان سيندم على إصراره الشديد على قبول عضوية شاب (مريب!) في حركته الإسلامية، أبدى الناس لبابكر كرار تحفظات موضوعية (ما) على شخصية الشاب وعلى سلوكه، فقال قولة لا تشبه إلا سلوك الأنبياء عندما يعترض الناس على قبولهم الأراذل والمنحرفين بين أتباعهم.
وأصر بابكر على قبول الشاب المريب واسمه حسن عبد الله الترابي – بالمناسبة – في عضوية الحركة الإسلامية .. ليترك له ولآخرين – بعد ذلك بسنوات – جملها بما حمل عندما افتعلوا ما علموا أنه سيريحهم من القائد الحقيقي والصادق للحركة الإسلامية السودانية، ألا وهو ضرورة حملها لاسم الأخوان المسلمين ، ورفض كرار هذه الضرورة، وتعامل بسماحة الإسلام وروح الديمقراطية، وخرج ومن معه من التنظيم الذي أنشأه هو، وحملوه اسما ً يخص استلابهم هم، ويقصر عن سقف أصالته هو، لأمر ما .
نقول لأمر ما لأن الإسلامي المريب، وفيما يبدو أنه مرحلة أخرى لإزاحة منافسين آخرين من قيادة الحركة، اقترح التخلي – بعد سنوات أخرى قليلة – عن ذات الاسم الذي جعله وسيلة لإزاحة المؤسس بابكر كرار .. فتأمل ! يجب أن يتغير اسم حركة بابكر كرار الإسلامية إلى الإخوان المسلمين، ليتركها بابكر كرار، ثم يجب أن يتغير اسم الإخوان المسلمين لجبهة الميثاق، ليتركها آخرون ينافسون الترابي على قيادتها، وفي النهاية لا يصبح الولاء للإخوان المسلمين العالميين ولا الاستقلال عنها مرجعاً .. المرجع الوحيد يجب أن يكون هو الترابي نفسه !.
بابكر كرار، كان مع توجهه الإسلامي، يحمل إيماناً عميقاً بأفكار ومبادئ توصف وتسمى بأنها اشتراكية، شخص مثل هذا، لا يصلح قائداً لحركة إسلامية سياسية تنفذ أجندة الرأسمالية العالمية ولو كان لنظام القذافي حسنة واحدة فقط، فربما كانت هي تطبيقه لمنهج اشتراكي صارم جدا يحفظ للفقراء (كسرتهم وملاحهم) وماء وجوههم، وربما كان هو النهج الذي سينتهجه بابكر كرار أو سيحاول انتهاجه، إضافة لإحراز الحرية والكرامة في أبعادها الثقافية والسياسية .. إذا قدر الله أن يأتي مثلما “أتى هؤلاء” الذين كان إصرارهم الأكبر جداً هو شن حرب شعواء جدا ً وباسم الإسلام البريء منهم براءة الذئب من دم يعقوب، على كسرة الفقراء وملاحهم وماء وجوههم .!
ومر تنظيم الترابي الإسلامي، بعد انفراده به بمراحل، أو فلنقل بعمليات “تجميل!” متتالية ومستمرة في سبعينات وثمانينات وتسعينات القرن المنصرم، كانت تهدف كلها إلى انتاج تنظيم بشعارات إسلامية خاوية وفضفاضة وبنية رأسمالية “لا ديمقراطية بالمناسبة!” صرفة جدا، وما أشد تشوه البنية الرأسمالية عندما تخلو من الديمقراطية.
وكان الاهتمام منذ نهاية السبعينات بانتاج كوادر يتنافسون في جمع الأموال واستهلاكها، يطيعون قائداً واحداً غامضا ً ومريبا ً، طاعة عمياء، يحرص هذا القائد على الدوام على إبعاد وتهميش الأنداد والمنافسين وتقريب أمثاله من الغامضين المريبين (الذين انقلب بعضهم عليه – ظاهرياً – ذات مفاصلة).
برزت علامة استفهام كبرى أيام تحالفهم مع النميري اسمها بنك فيصل الإسلامي (!) ليضبط أتباع الترابي مضاربين في خبز الناس الضروري (كسرتهم وملاحهم) لأجل ماذا؟ ويصبح التجويع الذي مارسوه وهم في هامش السلطة دينا ً للترابيين وهم على سدة الحكم (التسلط على نحو أصح) 30 عاماً مشئوما.
السؤال الذي يفرض نفسه بقوة .. هل فهم مفكرنا الكبير “المغمور قسرا ً أو باختياره” باكرا ً أنه لا جدوى من إقحام الدين بالسياسة فترجل وانزوى .. أم أنه كان من الممكن أفضل مما كان لو أنه لم يفعل أو لم يجبر على أن يفعل؟.

‫شاهد أيضًا‬

نحن في الزمن المهم من تاريخنا… كلمة نقيب الدراميين

الخرطوم – الشاهد: فيما يلي تنشر الشاهد كلمة الأستاذ الرشيد أحمد عيسى نقيب الدراميين …