‫الرئيسية‬ رأي في محبة البرنس هيثم مصطفى
رأي - سبتمبر 6, 2020

في محبة البرنس هيثم مصطفى

عبد الرحمن حمد

في العام ٢٠٠٤ أتيحت لي فرصة مشاهدة مباراة نهائي كأس السودان من داخل الإستاد، أوقعنا حظنا في مدرجات جمهور المريخ، لذا ظللنا طيلة المباراة متحفظين على إظهار مشاعرنا الحقيقية، إنتهت المباراة بالتعادل وتم الإحتكام للركلات الترجيحية، تقدم هيثم مصطفى للركلة الرابعة والتي إن احرزها كسب الهلال البطولة، فبدأ جمهور الهلال في الهتاف باللقب المحبب لها، سيدا سيدا، لكن كابتن الهلال أضاع الركلة ،على غير عادته، وقبل أن تبدأ خطواته في العودة لبقية الفرقة، انطلقت حناجر جماهير الهلال في نفس الهتاف، سيدا سيدا ولكن هذه المرة بأصوات أعلى وأقوى من التي هتفت قبل تنفيذ الركلة، فقد انضمت لها أصواتنا نحن، من كانت مشاعرهم محبوسة بحكم التواجد في مدرجات جمهور المريخ، انخرطنا جميعا في هتاف واحد عفوي، ارتجت منه جنبات الإستاد، كان هتافنا بمثابة رد الجميل للاعب الأكثر شعبية ربما في تاريخ كرة القدم في هذه البلاد، لم يكن بمثل طبطبة (ولا يهمك ، واثقين منك)، وإنما كان صادقا مليئا بالعرفان لهيثم ولما قدمه من سحر الكرة ومن صادق العطاء، كان هتافا معليا من شأن هيثم فوق شأن كأس البطولة، ارتبك هيثم من ردة الفعل غير المتوقعة هذه وصدمه أن يكون الرد على من قد يتسبب في ضياع الكأس، صيحات المحبة بدلا عن صفافير اللعنات، لم يحتمل هيثم ذلك فبكى وبكينا جميعا، بكاءا خليطا من الحب والعرفان، بكاءا لم يقطعه حتى فوز الهلال بنتيجة المباراة وبالبطولة..

منذ انتقاله لنادي الهلال في ١٩٩٥ وعلى مدى سبعة عشر عاما، ظل صاحب الرقم ٨، هيثم مصطفى كرار، الملك المتوج على عرش قلوب جماهير الأزرق الوهاج، وظلت كلمة سيدا هي النغمة الحلوة الاكثر ترددا على شفاه عشاق الهلال، ولم يكن ذاك الحب الجارف وليد صدفة ولا ضربة حظ، وإنما كان استحقاقا مناسبا لعطاء هيثم، لدقة تمريراته، لأناقة لعبه، لاستبساله في المباريات، لروحه الرياضية وحسن أخلاقه، لألمعية قيادته لزملائه..
وقد شهدت السنوات العشر الأولى من الألفية ذروة تألق البرنس مع الهلال ومع المنتخب، فحصد أكبر عدد من الألقاب للاعب في تاريخ ناديه، وكان صاحب المشاركات الأوفر مع المنتخب الوطني، وربما كان قدره أن تتوزع محبته على عموم جماهير الكرة السودانية فإنتقل من الهلال في العام ٢٠١٢ للقلعة الحمراء، في خطوة شغلت الناس لفترة طويلة وتباينت حول مسببباتها وتبعاتها الآراء، وإن كانت مشاركته مع الأحمر قصيرة للغاية مقارنة بنظيرتها مع الأزرق، لكنها فتحت الأبواب لمحبته لتمتد بين شمال العرضة وجنوبها..

أعتقد أن المكانة التي وصلها هيثم مصطفى عند جماهير الهلال فاقت جميع أساطير النادي في التاريخ القريب أو البعيد، فلا أظن النقر ولا طارق أحمد آدم ولا حتى جكسا أو قاقارين وصلوا هذه الحالة من القداسة والمحبة والكاريزمية التي امتكلها..
تضيق الجماهير من ظلم التحكيم أو ضعف أداء اللاعبين وتبدأ في إحداث الفوضى، فيتوجه لهم البرنس، يقترب من الحاجز ويطلب منهم الهدوء مؤشرا بيديه نحو الأسفل، فيعم الإرتياح المدرجات وتسكن المشاعر الهائجة..
تقل حماسة الجماهير بسبب النتيجة أو اللعب، فيذهب نحوهم سيدا، مؤشرا بيديه نحو الأعلى فتدب الروح في الجمهور وترتفع حماستهم و تعلو أصواتهم المشجعة ومن ثم ينتعش أداء اللاعبين..
يصر البرنس على اللعب وهو مريض، ولكن إصراره ينهار تحت وطأة المرض فيتم تحويله لأحد المستوصفات الخاصة في مدينة أم درمان لكن جمهور الهلال يحاصر المستشفى ويرفض المغادرة لبيوتهم حتى يطمئنوا على صحة نجمهم، فيضطر الطبيب المعالج ليطلق سراح هيثم حتى تغادر الجماهير على أن يعود في نفس الليلة ليكمل علاجه..
أما ردود أفعال جماهير الهلال إبان أزمة البرنس مع إدارة النادي والتى أفضت لمغادرته كشوفات النادي في ٢٠١٢، فتلك قصص وحكايا عجيبة..

شكرا للبرنس على كل تلك الليالي التى نمنا فيها منتشين بسبب تمريراته الساحرة و أهدافه الملعوبة..
شكرا لسيدا أن جعل لتعلقنا بنادي الهلال ومحبته، معنى وقيمة مستحقة..
شكرا فمازالت قلوبنا ترف كلما رأت فانلة زرقاء مكتوب عليها الرقم ٨..

هيثم مصطفى كرار، دهب سوداني خالص..

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …