أما آن الأوان لتغيير واقع الخلاوى؟!
ياسر سليم
الغريب في أمر الذين يرفضون تغيير واقع الخلاوى، أنهم يعرفون بيئتها جيدا ولا يلحقون أطفالهم أبدا بالخلاوى، بل يرسلونهم إلى أفضل المدارس ذات البيئة المدرسية الجاذبة و النظيفة والتى بها كل وسائل التعليم الحديثة، وهنا تبرز النظرة التمييزية الظالمة التي تأبى إلا أن تترك الخلاوى هكذا وتستخسر عليها المطالبة بتغيير بيئتها وواقعها للأفضل وأن تكون لها تبعية حقيقية واضحة، مثل بقية مؤسسات التعليم و إداراتها من شروط و معايير للتصديق وتحديد للأعمار والتفتيش و المراقبة و المحاسبة ..الخ.
لقد ذكرنا من قبل أنه في جاء في تقرير واقع الخلاوى لمجلس رعاية الطفولة (فبراير 2017)، عدم وجود سياسات و خطط قومية للتعليم فى الخلاوي، عدم وضوح التبعية الإدارية والفنية لشؤون الخلاوى، عدم وجود معايير قياسية موحدة لإنشاء وتأسيس و إدارة وتشغيل الخلاوي، تردي البيئة الصحية والخدمات بما فيها سكن ومستوى إعاشة الطلاب فى غالب الخلاوي، وجود الطلاب من أعمار متفاوتة فى مكان الدراسة وسكن واحد وعدم اختيار وتأهيل معلمى/مشايخ الخلاوي علمياً بصورة مؤسسية ومنظمة وفق معايير .
وعندما نتحدث عن العنف في الخلاوى، نذكر ما جاء في الدليل الصادر من وزارة التربية و التعليم و تحديداً من المركز القومي للمناهج و البحث التربوي (2015) الآتي : (إن العقاب البدني هو أساس التعامل مع الأطفال في الخلاوى ولا شك أن هذا العقاب يترك آثاراً نفسية و اجتماعية واضحة على أطفال مثل ربط حفظ القرآن بالعنف والإهانة وإذلال الكرامة الإنسانية وتربية الخنوع والانكسار في النفس).
لقد اهتمت وزارة الصحة الاتحادية بالخلاوى في يناير 2017 لأنها كانت بؤرة للإسهالات المائية (حسب ما اسمته الحكومة آنذاك). ظهرت حالات للإسهالات المائية و بأعداد كبيرة في الخلاوى وذلك في 12 يناير 2017 تحديداً فى خلوة بشرق النيل حيث بلغ عدد الأطفال المصابين (155) طفلاً وقامت وزارة الصحة الاتحادية بعمل عيادة طارئة بالخلوة، حيث اتضح أن سبب المشكلة التلوث البيئي بالخلوة (مياه الشرب و البيئة العامة و الطعام) وكما شكلت وزيرة التنمية الاجتماعية فريق عمل طوارئ للوقوف على المشكلة وأوضاع الطفل برئاسة أمين مجلس الطفولة بولاية الخرطوم، وجاء في التقرير الآتى: عدد الدراسين بالخلوة (1200) أعمارهم من (5-80) (نعم من خمسة سنوات إلى ثمانين سنة) لا توجد أى معايير لقبولهم، على الخلوة أسوار عالية وحراسة بالخارج، الحمامات غير صالحة للاستخدام وهى نفسها مصدر للأمراض ، كثير من الأطفال يعانون من أمراض جلدية (حوالى 200 طفل ) ، يتلقى التلاميذ وجبتين عبارة عن عصيدة يتم تناولها في الحادية عشرة صباحاً والأخرى بعد صلاة المغرب ويتم تغيير في الوجبات في يومي الجمعة و السبت إلى (فتة)، لا توجد أسرة أو مراتب يفترش الاطفال مفارش على الأرض و ينامون مع بعضهم البعض دون اعتبار للفئة العمرية. الكثير منهم متسخون و ملابسهم رثة و متسخة (يذكر التقرير أنه في طريق عودتنا صادفنا أحد الأطفال في عمر 10 سنوات تمكن من التسلل إلى الترعة خفية للاستحمام) .
جاءت التوصيات بتشكيل لجنة طارئة من مجلس رعاية الطفولة بولاية الخرطوم ووزارة الصحة لوضع المعالجات اللازمة وضرورة وضع ضوابط و معايير و أسس لعمل الخلاوى و العمل على إدخال الخلاوى في برامج الخدمة المدرسية (توفير باحث اجتماعي لكل خلوة) وأن يكون دعم الخلاوى عبر لجنة يتم تكوينها و ليس عبر شيوخها.
لقد عقدت العديد من الورش و الاجتماعات حول موضوع الخلاوى وكانت التوصيات دائما تتطالب بتغيير واقع الخلاوى وكان دائما مصيرها الأدراج!!! دعكم من كل ذلك لم تتحرك الدولة في موضوع الخلاوى حتى بعد انتحار الطفل آدم ( 13 عاماً) هرب من إحدى الخلاوى و حاول الانتحار بأن قذف بنفسه في مياه النيل من أعلى كبري المك نمر و صادف شرطي يعمل بالنقل النهري فأنقذه ..الخ (تناولها الإعلام وخاصة الأستاذة الشجاعة سهير عبد الرحيم) وتوفى الطفل بوحدة حماية الأسرة وهو يردد كلمة الخلوة……الخلوة… …الخلوة… سامحني يا الله….سامحني يا الله وجاء تقرير الطبيب الشرعي موت نتيجة تسمم صديدي لجروح علي رأسه ومات وبطنه خاوية من الطعام طوال 14 يوماً (كان يخاف من الطعام و يجري منه بعيدا خوفاً من الإخراج غير المتحكم ) كما أن عليه آثار قيد حديدي في القدمين وآثار اعتداء جنسي متكرر أدى إلى وهن في الأنسجة العصبية بالمستقيم وضعف التحكم في الإخراج وكان ذلك في سبتمبر 2014!!!.
كم من المفترض أن يصل عدد ضحايا الخلاوى حتى يتم التحرك نحو تغيير واقعها !! إلى متى نرفض الظلم و نستنكره إذا وقع على أطفالنا ونرحب به بل ندافع عنه عندما يقع على الأطفال الآخرين!!!.
هنا الخلاوى هنا الطفولة المعذبة .. هنا العنف بكافة أشكاله .. هنا التمييز الظالم ..هنا التهميش الحقيقي .. أشعر بأطفال الخلاوى وهم ينظرون إلى أطفال رياض الأطفال و المدارس بزيهم وفطورهم و تعليمهم و كأنهم يقولون للدولة و المجتمع : يا أعدل الناس إلا في معاملتي !!!
في ظل هذا الانتصار العظيم للحرية و السلام والعدالة ،علينا أن نعمل من أجل تحقيق العدالة لهؤلاء الأطفال وأن تكون أولوية هذا العهد الجديد الالتزام الصادق بالإيفاء بحقوق الأطفال دون تمييز و أن نضع تغيير واقع أطفال الخلاوى في قمة الأولويات و أن نعمل من أجل خلاوى صديقة و جدير بالأطفال و أن تكون أماكن جديرة بحفظ كتاب الله عز وجل و تليق بجلاله وعظمته .
أهكذا يكون واقع طلاب كتاب الله .. أليسوا أحق بالإجلال و الإكرام . إن عالم الغد والنمو و الإزدهار في المستقبل يعتمد كثيرا على بقاء ونماء وصحة وتعليم أطفال اليوم، الذين هم نساء ورجال الغد. فالعمل من أجل بقاء ونماء وصحة وتعليم وحماية الأطفال هو استثمار في مستقبلنا المشترك والذي سوف يكون له أثره في خلق مجتمع متماسك متوحد تتلاشي فيه الفوارق الطبقية الصارخة، فتمكين هؤلاء الأطفال من الحصول علي حقوقهم التعليمية و الصحية و غيرها سيسمح بقدر أكبر من المساواة ، وبالتالي يساعد في تحقيق مجتمع متناغم يندمج فيه الجميع . وعليه ، يجب علينا أن نعمل جميعا من أجل ذلك و ختاما أما آن تغيير واقع الخلاوى.
والله الموفق
ياسر سليم
باحث في حقوق الطفل
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …