مجانية التعليم الأساسي و الطفل موسى شهيد الرسوم الدراسية
يااسر سليم
نبدأ بأول ما نزل من القرآن الكريم على النبى صلى الله عليه وسلم فى غار حراء: (اقرأ باسم ربك الذى خلق (1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ و ربك الأكرم (3)الذى علم بالقلم (4)علم الانسان ما لم يعلم ) صدق الله العظيم .
والعلم فى نظر الرسول صلى الله عليه و سلم قوام الدنيا و قوام الدين و كان يشجع التعليم عملا و قولا ..فقد كان يطلق سراح الأسرى إذا علموا بعض المسلمين القراءة و الكتابة و كان لا يفرق بين الرجل و المرأة فى العلم و التعليم حيث قال (طلب العلم فريضة على كل مسلم و مسلمة) ووجه الدلالة فى هذا الحديث الشريف أنه يساوي بين الولد و البنت فى الحق فى التعليم. هذا بجانب ما نصت التزامات السودان الدولية على ذلك وجاءت اتفاقية حقوق الطفل فى المادة (28) على أن للطفل الحق فى التعليم ومن واجب الدولة جعل التعليم الابتدائى إلزاميا و مجانيا و متاحا للجميع (واتخيلوا في شهر نوفمبر الجاي ده حتمر تلاتين سنة من مصادقة السودان على هذه الاتفاقية!! وحتمر أربعتاشر سنة من ما نصه عليه الدستور الانتقالي حول مجانية و إلزامية التعليم لمرحلة الأساس وكمان تسعة سنوات على ما نص عليه قانون الطفل في المادة (20) (على الدولة أن توفر التعليم الأساسى الإلزامى بالمجان) كما نصت المادة (29) منه على عدم طرد الأطفال من المدرسة !!!! للأسف كووووولها على قول الأستاذ الفاتح جبرة حبر على ورق .. كل هذه الالتزامات تعتبر عهود و التوجيه الرباني لنا بالوفاء بالعهود يلزمنا أن نوفي بها ، وبالتالي تخصيص الموارد التي تمكننا من الوفاء بها وهنا الأطفال أصحاب حقوق و ليسوا متلقي إحسان .
من أعظم القرارات التي جاءت بها ثورة الحرية و التغيير و ي في بدايتها اعتماد مجلس الوزراء على مجانية التعليم الأساسي والعمل على إتاحة فرص التعليم لمرحلة الأساس مجانا و التأكيد على حصول الأطفال على مقعد مجاني دون رسوم في مرحلة الأساس في كل أنحاء السودان بحلول عام 2020 وكما جاء تأكيد ذلك من وزير التربية والتعليم الهمام بروفيسور محمد الأمين التوم على أحقية كل طفل سوداني في تعليم مجاني وتشديده على ضرورة تطبيق مجانية والزامية التعليم لمرحلة الأساس.
أضف إلى ذلك ما نصت عليه الوثيقة الدستورية 2019 في المادة (50) على أن تحمي الدولة حقوق الطفل كما وردت في الاتفاقيات الدولية و الإقليمية التي صادق عليها السودان وهذا اقرار واضح بالالتزمات الدولية و التى على رأسها الحق في مجانية و إلزامية التعليم لمرحلة الأساس.
تعتبر مرحلة الأساس هى القاعدة التعليمية الثابتة التى تقوم عليها أنظمة التعليم الأخرى، فهى تمثل اللبنة الأولى لذا تسمى بالتعليم الأساسى ومن هنا فإن بناءها على أساس قوى وتأهليها تاهيلاً ملائماً وإعطائها الدعم والتمويل اللازم يؤدى إلى تحقيق أهداف التعليم وشعار ( تعليم مجانى وإلزامى جيد النوعية) ولقد أثبتت الدراسات أن الاستثمار فى التعليم أكثر عائدا من غيره وأن عطاء العامل المتعلم يفوق عطاء زميله الأمى بما يعادل 50% ..
إن من آثار غياب مجانية وإلزامية التعليم هو زيادة معدلات تشرد الأطفال والفاقد التربوى و عمالة الأطفال و تجنيد الأطفال وغير ذلك من الانتهاكات التى تقع على الأطفال. وإذا نظرنا بصورة سريعة للدراسات المتعلقة بهذا الموضوع، نجد : أظهرت دراسة أطفال السوق التى قام بها مجلس الطفولة بولاية الخرطوم بالتعاون مع منظمة رعاية الطفولة السويدية، أن من العوامل التى تدفع الأطفال إلى الشوارع وإلى التشرد عدم القدرة على دفع الرسوم الدراسية (69% من أسباب التشرد عدم القدرة على دفع المصاريف المدرسية وأظهرت الدراسة رغبة 83% من أطفال الشوارع فى العودة الى المدرسة وكما أظهرت دراسة أطفال الشوارع التى قام بها المجلس القومى لرعاية الطفولة و معهد البحوث و الدراسات الانمائية بجامعة الخرطوم و اليونسيف أن 71.6 % من أطفال الشوارع يرغبون فى مواصلة تعليمهم وكما وضح من نتائج مسح عمالة الأطفال الذى قامت به وزارة العمل و المجلس القومى لرعاية الطفولة و منظمة رعاية الطفولة السويدية أن أكثر من نصف الأطفال الذين شملتهم العينة يتركون الدراسة بسبب عدم قدرتهم على دفع المصاريف المدرسية و أوضحت دراسات اتجاهات و مماراسات الأسر نحو تعليم البنات و التى أعدت بواسطة وزارة التربية مع المجلس القومى لرعاية الطفولة و اليونسيف أن أهم العوامل التى تؤثر على تعليم البنات تكلفة التعليم و تلعب الرسوم التى تفرض دورا كبيرا فى حرمان البنات من التعليم حيث أن الأسر الفقيرة تفاضل بين تعليم الولد أو البنت وإن كانت إمكانياتها لا تسمح إلا بتعليم أحدهما فإن خيار تعليم الولد هو الغالب.
في منتصف عام 2004، كنا في معهد حقوق الطفل قد تلقينا خبر من الصحفية إنعام محمد الطيب بأن هنالك طفل اسمه موسى، طالب في مرحلة الأساس انتحر بسبب الرسوم الدراسية في مدينة الدويم حيث تم طرده أمام التلاميذ من المدرسة لعدم سداد الرسوم فتأثر جدا من ذلك فشنق نفسه بحبل بأن ربطه أعلى إحدى الأشجار.
قمنا على إثر ذلك بعمل حملة مناصرة حول تطبيق الحق في مجانية وإلزامية التعليم الأساسي و طالبنا أن يكون هناك نص في الدستور القادم بذلك و كما عقدنا ورشة حول هذا الموضوع بالتعاون مع صحيفة الأيام و منظمة رعاية الطفولة السويدية ورعاية وزيرة الشؤون الاجتماعية.
عرضت البروفيسور رقية سيد الطيب رئيس شعبة علم النفس بكلية الأداب بجامعة الخرطوم في هذه الورشة دراسة ذكرت فيها أن فرض الرسوم الدراسية لها آثار نفسية و اجتماعية سيئة على الأطفال وأن الأطفال الذين تحول ظروفهم دون دفع الرسوم الدراسية محرمون من التواصل مع الكبار مثل المعلمين الذين يمارسون عليهم الضغط اما بالزجر أو الضرب أو الطرد ومع الآباء الذين يفشلون فى الاستجابة لمطالبهم ومع الرفاق الذين يشاهدون كل ما يحدث لهم فيسخرون منهم وقد تنتابهم مشاعر الشفقة والرثاء عليهم، وبالتالى يفقدون الإحساس بالقيمة ويجنحون للانفراد والميول العصبية والميول المضادة للمجتمع وعندما تفشل الأسرة فى تسديد الرسوم، فان انتماء الطفل لأسرته يظل مهدداً ويبدأ فى الشك فى حب الأسرة له ويهدد ذلك شخصيته فيتعدى عليهم ويعجز عن تكوين علاقات اجتماعية متبادلة مع الأسرة والرفاق وبالتالى لا تصبح بيئته وثقافته جزئياً من ذاته وأما الطفل المراهق فتحدث له أزمة نفسية لتوبيخه بسبب الرسوم أمام أقرانه فيشعر بالعجز وقلة الحيلة ويحس بالنقص والظلم ويعانى من الإحباط، وكما قدم أستاذ الأجيال محجوب محمد صالح ورقة في الورشة و كتب مقالا مميزا في صحيفة الأيام حول الموضوع جاء تحت عنوان : حتى لا يكون التعليم للأغنياء فقط.
ولأهمية ما كتب الاستاذ محجوب ،نذكر جزءا من المقال : (الموضوع الذي تبحثه الورشة بالغ الأهمية و له أثره الكبير على مستقبل السودان وعلى ديمقراطية المجتمع لأن هذه الممارسة من شأنها أن تجعل التعليم وقفا على القادرين الذين يملكون المال وهذه الفلسفة، فلسفة توفير التعليم لمن يستطيع أن يدفع بدأت تتسرب على المجتمع السوداني الذي لم يكن يعرفها من قبل وهي ليست وقفا على الرسوم الدراسية فحسب بل إن سوء البيئة التعليمية و عدم سداد مرتبات المعلمين إضافة للرسوم الدراسية كلها أسهمت في خلق مفهوم طبقية التعليم .
إن جملة هذه الممارسات ينبغي أن تؤرقنا و تجعلنا نخشى على مستقبل بلادنا لأنها تنتهج سياسات من شأنها أن تخلق تمايزا خطيرا في المجتمع و من المؤسف أن المسئولين الذين يتغافلون عن هذه الممارسات هم أنفسهم نتاج مجانية التعليم و ديمقراطية التعليم في السودان . نحن كلنا نتاج مجانية التعليم و ديمقراطيته و لو لم يكن متاحا لنا مجانا بأفضل مستوياته لما تعلمنا لأن آبائنا ما كانوا يملكون من المال ما يصرفونه على تعليمنا .
أطلقت القيادات السياسية شعارات حول التزامها بمجانية التعليم و الواقع يكذب ذلك . أمامي و أنا أكتب منشور عممته رئاسة تعليم الأساس بإحدى المحليات يقول المنشور الرسمي : (إن رسوم التسجيل 1200 دينار وأرجو الالتزام بالآتي : 1- أي تلميذ لا يدفع الرسوم لا يحق له دخول المدرسة 2- تورد رسوم الوزارة و المحلية و رئاسة التعليم لإدارة تعليم المحلية 3- لا توجد إعفاءت بالنسبة للوزارة أو المحلية أو رئاسة المحلية) و يحمل المنشور بعد جزاكم الله خيرا توقيع مدير المحلية .
أملى أن تصل الورشة إلى توصيات تتبناها منظمات المجتمع المدني و تضغط في سبيل تنفيذها حتى لا يكون التعليم دولة بين الأغنياء).
وعلينا إذا أردنا تطبيق مجانية وإلزامية التعليم و تحسين نوعيته لمرحلة الأساس أن نضع عقوبات للمنتهكين لذلك وكانت هذه من إشكالات النظام السابق حيث نص قانون الطفل على مجانية وإلزامية التعليم لمرحلة الأساس وعدم طرد التلاميذ وعمد على عدم وضع جزاءات لمن يخالف هذه المادة بالذات ، لذا أصبحت المادة بلا معنى وعليه كان يتم فرض الرسوم و طرد الأطفال من المدارس جهارا و القانون يقف متفرجا حيث لا جزاءات.
ختاما قيل في أهمية التعليم : إذا كنت تظن أن التعليم مكلف، جرب تكلفة الجهل . فلنعمل معا على التطبيق الكامل للحق في مجانية وإلزامية التعليم جيد النوعية لمرحلة الأساس وفق نص قانوني واضح يعاقب من ينتهك هذا الحق حتى لا يكون شعارا أجوفا كما كان في السابق.
والله الموفق
ياسر سليم
باحث في حقوق الطفل
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …