‫الرئيسية‬ آخر الأخبار أب كرشولا ٢٠١٣: وحدة الدم السوداني وحرمته
آخر الأخبار - رأي - فبراير 7, 2021

أب كرشولا ٢٠١٣: وحدة الدم السوداني وحرمته

عبد الله علي إبراهيم :

غزت الجبهة الثورية، التي جمعت حركات دارفور بالحركة الشعبية، شرق كردفان في ٢٧ إبريل. وتركت في أثرها خرائب في بلدة أبو كرشولا. ولا يعرف المرء كيف اتفق للجبهة الثورية القيام بها في حين أخطأت الجيش بالمرة إلى ترويع المدن. وربما قصدوا ذلك مصداقاً لقولهم إن عرب المدن ومسلميه على النيل وبواديه لن يشعروا بما يتعرضون له من الجيش إلا إذا “ضاقوه في شوفهم ودوفهم. ولفساد المنطق وبؤس مردوداته وصفت الغزوة في تعليق على الجزيرة نت بأنها حرب لظلام الإنقاذ بظلام المسلحين مقتبساً من مارتن لوثر كنق كما سنرى.
وتوقفت عند دلالاتها العرقية التي أتناولها في هذا الجزء الأخير على هذا الباب:
كانت غزوة الثورية لشمال كردفان نافذة أقرب للشمال العربي المسلم من حبل الوريد ليطل منها على قبح الحرب الأهلية التي طالت إلى حد الإملال. وهاهي تطرق باب حوشه الداخلي . ولا يشك أهل أواسط السودان النيلي أن القوى العسكرية التي تنوي الثورية الزحف بها هي جهوية وعرقية في قول الطيب زين العابدين. والأدهى أنها لم تخضع لتدريب يوطنها في ثورية سودانية شاملة مما تزعم. وعن قيمة التدريب في العسكرية قالت نادين قودمير، الكاتبة جنوب أفريقية الحائزة على جائزة نوبل، إن الذي يمنع الجيش العنصري الأبيض في بلدها من قتل السود جميعاً أنه جيش حسن التدريب.
لا غلاط أن العصب المسلحة المكونة للثورية ترعرعت في شحن عنصري ضد الثقافة العربية الإسلامية غذته كتابات وعقائد وأوهام خلال الأربع عقود الماضية.
من ذلك جنس كتابي عُرف ب”كشف مستور الثقافة الإسلاموعربية”. وهو ترويع للهامش بالتاريخ “الدراكيولي” للمركز العربي الإسلامي يصدر أغلبه عن شماليين من جالدي الذات للتعافي من عقدة الذنب الليبرالية. وهو أدب هيأ لمقاتلي الهامش تطابق القضاء على الإنقاذ (أو أي حكومة شمالية) مع القضاء على حملة الثقافة العربية جميعاً. فقد انزعج صحافي متعاطف مع الحركة الشعبية الجنوبية حين استمع إلى جلالات جيشها قبل الانفصال ووجدها دموية مغرقة في العنصرية ضد الشماليين. فبدا زعمها النضال لبناء سودان جديد للأخاء السوداني بجيش ممرور عرقياً كمن يؤشر يميناً ويلف يساراً. ومتى لم يجد مسلحو الهامش كفايتهم من هذا الأدب العرقي الأفيوني اخترعوه. فنسب أحدهم لانفصالي شمالي بارز كلمة تحدث فيها عن برنامجه لبناء وطن “نظيف” خال من “الأفارقة” وذر فيها أبيات مثل “لا تأخذ العبد” للمتنبي كمشهيات. وكانت الكلمة مدسوسة على الرجل.
من جهة أخرى يقوم أكثر هذا الشحن العنصري المضاد على إصرار صفوة الهامش أن عرب ومسلمي النيل وغيرهم هم “إسلاموعربيون” أو “مستعربين” في دلالة زيف إدعائهم العروبة والإسلام. وكانت مثل هذه التسمية المبخسة دائماً مقدمة للهولكست لأن القاتل إنما يقتل أكذوبة.
ومن ذلك وصف الجماعة العربية المسلمة ب”المستوطنيين” لهجرتهم من الجزيرة العربية لسودان مملوك لغيرهم. ويعني هذا إن إزالتهم من البلد الأفريقي شرط وجوب لرد الأمر إلى نصابه. وكانت تلك نذر هولوكست رواندا الذي أراد به الهوتو التخلص من التوتسي، الضيف الثقيل من أثيوبيا. بل كانوا يرمون بجثة الواحد منهم في منابع النيل لكي يحمله التيار من حيث جاء.
أنكرت الجبهة الثورية ثلاثاً أنها خربت عمائر خدمات الكهرباء ناهيك عن قتل المدنيين. وللسخرية تحدثت عن حماسة الناس في استقبال مسلحيها ومخاطبة الحلو، زعيمهم، للسكان تشبهاً بالكوماندر ماركوس في المكسيك. وشتان. فهي لم تستجب بعد لمطلب بعض أنصارها أن تكذب ترويعها للمدنيين وقتلها الناس. ولا تزال تنفي وتتحرى النفي المطلق. ولكن مما يفسد تبرؤ الجبهة الثورية من دماء هجومها الأخير واحدة من أكثر حجج المسلحين عاطفية وخطراً. فهم لا يملون تكرار قولهم إنه لا يصح أن نفرق بين إهراق الدم في مثل أب كرشولا، لأنها ضمن إقليم العرب المسلمين، وبين نزيفه الطويل بين “الأفارقة” بواسط الجيش السوداني. وسمى كمال عمر المعارض المدني هذا المنطق ب”وحدة الدم السوداني”. فمتى استباحت الأنقاذ النفوس في تلك الأرجاء، حسب منطق هذه الحجة، جاز للجبهة الثورية استباحة الدم في غيرها. فلا صدقية هنا للجبهة الثورية حين تتبرأ من دماء “العرب” في أب كرشولا لأنها ولية دم عن “الأفارقة” حسبة وحصرياً حصرياً. فإنهم، وإن لم يعملوا القتل في أب كرشولا كما قالوا، فهذا تنازل عنه اليوم لن يلزمهم غداَ. مع أن المبدأ هو وحدة الدم في الوطن وحرمته على الجميع.
إذا كان ما جرى في أب كرشولا حق (ولم ينهض دليل من غزاتها على كذبه) فالثورية تكون ممن قال عنهم مارتن لوثر كنق:
ليس بوسع الظلام طرد الظلام
النور وحده يفعل ذلك
الكراهية وحدها لا تطرد الكراهية
الحب وحده يفعل ذلك

‫شاهد أيضًا‬

الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش

كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …