‫الرئيسية‬ آخر الأخبار نحو التنظيم، والعمل المنظم
آخر الأخبار - رأي - فبراير 11, 2021

نحو التنظيم، والعمل المنظم

علاء الدين محمود :

السلمية ليست حالة مستمرة، إذ فرضتها ظروف معينة وهي ضرورة التنظيم بالأدوات الممكن والمتاحة في مواجهة السلطة القمعية من أجل نجاح مهمة اسقاطها، ذلك كان شوف موفق جدا للواقع العياني، وتلك مرحلة انتهت باسقاط النظام بنجاح، لكن تلك القوى التي كانت متفقة على تغيير النظام والتي صعدت إلى السلطة سرعان ما دب الخلاف بين اجزاء منها، وهذه أيضا مسألة طبيعية تستدعيها الاختلافات الفكرية، وهي اختلافات أيضا كانت حاضرة قبل مرحلة سقوط النظام؛ إذ كان بعضها يرى بالانتفاضة في اشكالها المختلفة، ويرى الآخر بضرورة الحوار والمنازلة السياسية الانتخابية، وطبعا انتصرت رؤية التيار الأول، ولكن التيار الثاني هو الذي تصدر المشهد، وانفرد، مع العسكر، بقيادة المرحلة الانتقالية لتظهر العديد من التناقضات بين الثورة كفعل من أجل التغيير الجزري، وممارسة السلطة بصورة تسعى نحو الحفاظ على القديم؛ أي سلطة محافظة تماما وتعبر في تركيبتها عن ذات الطبقة الاجتماعية التي سيطرت منذ الاستقلال بذات القوى وذات الثقافة الأمر الذي أظهر بالفعل أن هنالك فجوة كبيرة ترقى لدرجة الاختطاف، بين أهداف الثورة وشعاراتها والكتل الاجتماعية المتباينة التي شاركت فيها وبين ما هو سائد الآن من سيطرة البرجوازية الصغيرة الآن في كل مفاصل السلطة، وبصورة نقارب فيها رؤية مهدي عامل “باعتباره يستقي رؤيته الفكرية من واقع مشابه”، نجد أن هذه المجموعات الاجتماعية المتماثلة “تجنبا لاستخدام مصطلح الطبقة”، لا تستطيع أن تكون مستقلة عن الخارج ومصالحه، ولا أن تغير من طبيعة دورها كترس صغير في ماكينة النظام العالمي الجديد ومصالحه، ولعلكم تلاحظون أن هذه القوى لا تنظر إلى الجماهير ولا إلى الداخل تحديدا، ولا يطربهم شعار “الحل في بلدك ذاتا، بل دائما ينظرون إلى الخارج ودائما يراهنون إلى ما يقترحه الخارج وما يرغب فيه الخارج، وذلك الأمر يبد واضحا لكم من خلال السياسة الخارجية والارتهان والانصياع لرغبات الخارج، مثلما حدث في قضية التطبيع، فمعظم الذين عارضوا قضية التطبيع كانوا ينظرون إلى الأمر من زواية كونه نوع من فرض الإرادة، ولم تنجح تبريرات الحكومة الفطيرة في أن التطبيع طريق نحو رفع الحصار وإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، فذلك الأمر مرتبط بالنظام السابق، وكان قيام الثورة كافيا لإنهائه، لكن قوى الهيمنة في النظام العالمي الجديد بقيادة أمريكا أرادت أن يستمر الواقع كما هو دون اعتراف بالثورة.
بالتالي فإن تلك القوى الممثلة للكتلة الاجتماعية المعينة لا تقترح جديدا، أو تقطع مع القديم لأن ذلك يمثل نفيا لمصالحها، ومصالح القوى الخارجية المرتبطة بها، فتقوم بذات دور إعادة إنتاج التخلف وذلك بالطبع يمثل قطعا مع مفهوم الثورة وإرادة الثورة لدى كتل اجتماعية أخرى تريد أن تصنع واقعا جديدا لا يقوم الا بالقطع مع القديم عبر فعل تحرري اجتماعي وإنساني يفضي إلى دولة الحرية والعدالة الاجتماعية والسلام الذي يأتي كمحصلة لسيادة العدالة، هم جموع الفقراء والمهمشين والمقصيين من معادلة السلطة والثروة، والذين يشعرون أن ثورتهم؛ أي الفعل التحرري المعبر عنهم قد اختطف وسرق لمصلحة ممثلي الكتلة الاجتماعية المسيطرة والسائدة منذ الاستقلال.
ما العمل
لم يمكن بطبيعة الحال، اللجوء إلى الصمت، بل إن الغضب سيكون هو سيد الموقف وهو الغضب الذي تفجر في أكثر من مكان مثلما حدث في الأبيض ومناطق أخرى، ستكون هنالك موجة من العنف، وحفاظا على مصالحها ستعلب السلطة الجديدة في كل مرة لعبة إعلامية بدأت تجيدها، وهي تصدير مظنة أن كل ما يحدث من توتر وأعمال عنف وانقسامات اجتماعية عمودية في شكلها القبلي والجهوي، هو من فعل النظام السابق، وأن كل خروج للشارع فإن “الكيزان” يقفون خلفه، وهو خطاب إعلامي قد ينجح لوقت قصير جدا لتجد الحكومة بعدها مواجهة باتساع دائرة العنف بطرق ووسائل متباينة، عندها سينفلت الأمر من يدها تماما لن يجدي تحالفها المصلحي مع العسكر والخارج، وسيلوح خطر الفوضى الشاملة.
كتلة تاريخية
إن التنظيم هو الطريق الأمثل أمام الثوار الحقيقين، إذ لابد من أن تتشكل تلك الكتلة الاجتماعية السياسية التاريخية الحرجة، لكي تقوم بانقاذ الثورة والسير بها نحو موجة جديدة تقطع مع القوى الانتهازية وسيطرتها على المشهد، وانقاذ للبلاد من شبح التشظي، فالصراعات بين القبائل والمجموعات الاجتماعية التي بدأت في شكل مشاحنات ومواجهات بسيطة هي، بالإضافة لكونها مصنوعة، فإن كل جماعة تجد في الأخرى عدوها المتخيل الذي زينته قوى تتفرج عليهما وهما يصطرعان، بالتالي فأن الوعي مطلوب هنا كضرورة ثورية توجه الانظار نحو العدو الحقيقي الذي يتوارى كشبح في الظلال، والواقع أن القوى الثورية موجودة لكنها تختلف في الوسائل وطرق التفكير، وهذا الأمر جعلها جزر متفرقة، وذلك ما لاحظنا في التنافر بين عدد من المكونات التنظيمية لمرحلة ما بعد سقوط النظام على مستوى لجان المقاومة وتجمع المهنيين، وتجمع الاجسام المطلبية وبعض الأجسام والقوى الأخرى، والمطلوب هو خوض حوار حقيقي ومتواصل ليصب في طريق تشكيل تلك الكتلة، مع بعض القوى السياسية، مع الانفتاح نحو المجموعات غير المنظمة أو غير المشاركة في الفعل الثوري على نحو منظم رغم وجودها مثل صغار الموطفين والعمال، وعمال الأسواق وبائعات الشاي والصنائعية وغيرهم من قوى ذات وجود حقيقي، تختلف في مطالبها، وذلك الاختلاف يتطلب خطابا يستوعب تلك القوى ومطالبها وهموها، وما يدعو للتفاؤل حقا أن هنالك بعض الخطوات التي بدأت فعليا في هذا المسعى الثوري والمطلوب هو العمل ثم العمل، وليس من الضروري الآم صناعة خطاب ورؤية نظرية متكاملة تستدعى تبديد الوقت في الاجتماعات والاختلاف لأن العمل اليومي الدؤوب في الشارع ومع جماهير الثورة كفيلا بصنع الكثير من الأفكار والحلول.

‫شاهد أيضًا‬

الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش

كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …