الدعم النقدي المباشر: ثمرات ام جمرات؟
د. معتصم اقرع :
في رأيي ان برنامج الدعم المباشر المسمي ثمرات مزحة سيئة ، لأسباب متعددة منهـا:
أعلنت الحكومة أنها ستمد 80 في المائة من السكان بدعم شهري قدره 5 دولارات.
تبلغ التكلفة السنوية الإجمالية 1.9 مليار دولار ولكن الحكومة لا تملك هذا المبلغ ولم يعد مانح بدفع هكذا مبلغ عاما بعد عام. بـل ان هذه الحكومة واجهت بخلا من المانحين غير مسبوق في تاريخ السودان. فعلي سبيل المثال كانت الفترة الممتدة من أغسطس 2019 وحتى الان الفترة الوحيدة التي توقفت فيها المعونات الخليجية تماما منذ بزوغ عصر النفط في بداية سبعينات القرن الماضي.
عندما سأل ممثلو صندوق النقد الدولي وزير المالية الاسبق كيف سيؤمن هذا المبلغ الكبير – 1.9 مليار دولار سنويا -، قال المانحين. وعندما تساءل أهل الصندوق فماذا لو لم يدفع المانحون؟ قال الوزير في هذه الحالة سنطلق حملة إعلامية توضح للرأي العام تراجعنا عن البرنامج.
يعرّف البنك الفقر المدقع بأنه العيش على أقل من 1.90 دولارًا أمريكيًا للفرد في اليوم، ويعرف الفقر غير المدقع بأن يكون دخل الفرد اقل من 3.20 دولار في اليوم.
في تقريره المقدم إلى مجلس حقوق الإنسان, وصف فيليب ألستون – مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالفقر المدقع – تعريف البنك الدولي للفقر والفقر المدقع (1.9 و 3.2 دولار في اليوم) بأنه منخفض لدرجة مذهلة تجعله عديم المعني اذ لا يرتبط بشكل واقعي بالتكلفة الحقيقية لأكثر احتياجات الأنسان الأساسية كما وصفه بأنه يعبر عن نقصًا فاضحًا في الطموح.
على الرغم من أن ثمرات الخمسة دولارات مثيرة للضحك المأساوي ، إلا أن تلك الخمسة أيضا غير مضمونة. وقد أشار مسؤولون حكوميون عدة مرات إلى أن الدعم الشهري سيكون 500 جنيه أو 1.3 دولار بسعر صرف اليوم – أي ان المبلغ لن يخرج المتلقي من قائمة الفقر المدقع ولا ليوم واحد في الشهر.
وحتى الان لا يدري أحد مبلغ الثمرات, الشيء الوحيد المؤكد ان الخمسة دولار هي سقفه الأعلى ولكن حتى لو التزمت الحكومة بالمبلغ بداية إلا انه من المستبعد ان تزيد المبلغ بالجنيه كلما زاد سعر الدولار لذلك فان الأرجح هو تناقص المبلغ بصورة متواصلة الا اذا تم ربطه ربطا حازما بزيادة سعر الدولار وهذا من المستبعد.
يتمثل أحد عيوب ثمرات الرئيسية في تغطيته لـ 80 في المائة من السكان بدون تمييز اقتصادي. بمعنى أن مبلغ الدعم لا يرتبط بمستوى الدخل, فقد يتمتع شخص بدخل أكبر بعشر مرات من دخل جاره ولكن سيحصل كلاهما على نفس مبلغ الدعم من الحكومة وهذه فضيحة تثير السخرية. في أي برنامج راشد يجب أن تحصل الشرائح الأفقر في المجتمع علي دعم اعلي ويجب أن ينخفض المبلغ لمن هم ليسوا فقراء أو أقل فقراً.
هناك مشكلة أخرى تتعلق بالدعم النقدي المباشر وهي تدريج وبطء التنفيذ مما يعني أنه في المراحل الأولى لن تحصل عليه إلا مجموعة صغيرة من المواطنين. ولكن هذا هذا يثير إشكالية تقويض مبدأ المساواة في المعاملة بين المواطنين. بمعنى أن البعض سيستلم ثمرات من الحكومة والبعض الآخر لن يحصلوا عليها حتى لو كانوا في ظروف معيشية مماثلة أو أسوأ. وهذا تمييز لا يمكن الدفاع عنه أخلاقيا فوق انه يطرح أسئلة قانونية وربما دستورية.
في سقطة اخري عندما بدأت الحكومة تنفيذ البرنامج ، بدأت بـبعض المناطق القريبة من الخرطوم رغم ان المنطق يقول بأن نقطة البداية الاسلم يجب ان تستهدف المناطق والقرى الأكثر فقرًا وتلك التي دمرتها الحرب. ولكن حتى السيد وزير المالية الذي رفع لواء الهامش سنينا وسنينا لم يري مفارقة بداية ثمراته في الجبلين لا في قرية دارفورية أو معسكر نازحين.
إذا كان البرنامج نكتة سيئة، فما هي دواعيه غير المعلنة. ادناه بعضها:
يوفر البرنامج للحكومة غطاءً سياسياً وأخلاقياً يتيح لها التظاهر بأنها تهتم بالفقراء.
ظل البرنامج مفيدًا للدعاية الحكومية التي صورت إلغاء دعم السلع على أنه إصلاح وليس إلغاء لنظام الدعم.
أيضا يساعد البرنامج المانحين والمؤسسات المالية الدولية علي الشعور والتظاهر بأن سياساتهم ليست قاسية على الفقراء وان الثمرات تمحي الام إلغاء دعم السلع وخفض سعر الصرف.
النقطة الأخيرة المهمة هي أن نظام البنك الدولي ينص على أن أي حكومة يجب أن يكون لديها استراتيجية لمكافحة الفقر يوافق عليها البنك. بدون هذه الإستراتيجية المعتمدة منه ، لا يمكن لأي حكومة الدخول في مبادرة الدول المثقلة بالديون لإعادة هيكلتها وإلغائها.
كل هذا يعني أن برنامج ثمرات لا علاقة له بالتخفيف من حدة الفقر والمعاناة. يتعلق التمرين بارتداء القناع والتظاهر والتلاعب بالرأي العام لتمرير سياسات اقتصادية لا تحظى بشعبية.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …