‫الرئيسية‬ آخر الأخبار قرض العبور الي المزيد من الديون
آخر الأخبار - رأي - مارس 28, 2021

قرض العبور الي المزيد من الديون

د. معتصم اقرع :

اصدر مجلس الوزراء اليوم بيانا جاء فيه ان الحكومة الأمريكية قدمت قرضا معبريا (تجسيريا) بمبلغ (1.15) مليار دولار. ولكن لم يكن البيان دقيقا بقوله ان السودان يُسدِّد متأخرات للبنك الدولي, فالصحيح ان السودان قد حصل علي قرض جديد سدد به متأخرات قديمة ليظل الدين القومي علي ما كان عليه.

القروض المعبرية من بهلوانيات سيرك التمويل الدولي الغرض منها الالتفاف الفني علي قوانين مؤسسات التمويل الدولية مثل البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي وغيرهم .

القرض المعبري/التجسيري هو دين قصير الأجل يتم تسديده خلال أيام أو ساعات. تنبع أهميته من أن قوانين المؤسسات المالية الدولية لا تسمح لها بـإعفاء الديون أو تقديم تمويل جديد في شكل قروض أو منح لبلد كي يستخدمها في سداد القروض المستحقة لنفس المؤسسات المالية الدولية.

عادة تقوم الجهة المانحة بتقديم شيك بمبلغ القرض لحكومة السودان التي تقوم بتحويل الشيك لصالح البنك الدولي بغرض تسديد كل متأخراتها. وبعد تنظيف المتأخرات مباشرة يقدم البنك قرضا جديدا للسودان بنفس المبلغ. يستلم السودان شيك المبلغ (أو تحويله الرقمي) من البنك الدولي ويقوم بتسديد كامل المبلغ للحكومة الأمريكية ربما في نفس اليوم.

باختصار القصة تتلخص في ان ان تقرض امريكا السودان المبلغ, ليسدده لها في نفس اليوم أو اليوم التالي من قرض جديد حصل عليه من البنك الدولي. هذا يعني ان أمريكا تكتب شيك تسلمه للسودان, يقوم السودان بـتسليم الشيك للبنك الدولي ثم يصدر البنك قرضا جديدا بنفس المبلغ, يستلم السودان الشيك من البنك ويسدد به القرض الأمريكي المعبري. وهكذا تستعيد أمريكا قرضها في نفس اليوم ويكون السودان فنيا قد دفع المتأخرات وهكذا تظل مديونية السودان علي ما كانت عليه.

بعد ان ينظف السودان المتأخرات, يستطيع البنك ان يقدم له مساعدات جديدة. تتيح هذه المناورات إعادة علاقة السودان مع البنك الدولي وإمكانية الحصول علي تمويل إضافي مشروط من هذه المؤسسة في المستقبل في شكل قروض أو هبات.

هذه المناورة تتيح لمجموعة البنك الدولي ان يقدم قروضا أو منحا للسودان ان شاء وبالشروط التي يشاء والتوقيت الذي يشاء. من نافلة القول ان أي تمويل قادم من البنك الدولي وغيره سوف يأتي بشروط اقتصادية وسياسية شديدة ومعروفة.

حسب بيان الحكومة السودانية, فان البنك الدولي سيقدم مباشرة تمويلا لبرنامج الدعم المباشر – ثمرات – بمبلغ 420 مليون دولار ودعم مباشر للموازنة بمبلغ 215 مليون دولار. وهذه مبالغ ضعيفة بما ان التكلفة السنوية لبرنامج ثمرات تبلغ 1.9 مليار دولار يترتب عليها حصول المواطن الفقير علي خمسة دولارات فقط تخرجه من دوائر الفقر في حدود يومين في الشهر.

حصلت بعض الدول الأخرى علي مثل هذه القروض المعبرية، بما في ذلك ليبيريا وميانمار واخرها الصومال التي حصلت علي قرض معبري من النرويج في مارس 2020 استخدمته لنفس الغرض وبلغت قيمته 366 مليون دولار وتم رده للنرويج في غضون 5 ساعات.

وأيضا يتيح التطبيع مع المؤسسات المالية الدولية خطوة لادراج السودان في مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون بهدف تخفيف عبء هذه الديون بالشطب والتخفيض وإعادة الهيكلة.

تجارب الدول تقول ان القروض الخارجية لا تخفف من تكاليف المعيشة. فمثلا بعد ان حصلت مصر والأرجنتين علي تمويل ضخم لا يحلم به السودان من البنك في الماضي القريب الا ان أعباء المعيشة قد تفاقمت وازداد الفقر حدة واتساعا مع ارتفاع الاسعار وزيادة الضرائب والرسوم ورفع الدعم. وصحب ذلك تنامي الدين الحكومي الخارجي.

كل تجارب التنمية الناجحة في العالم اعتمدت علي راس المال الوطني ولم تنمو دولة بالاعتماد علي قروض وهبات او راس مال اجنبي.

في سبعينات القرن الماضي حصل السودان علي قروض ومنح ضخمة ولكنها ولدت تبعية واذلال سياسي واقتصادي ولم تنتج تنمية رغم ان الأوضاع السياسية والمؤسسية والمهنية والاقتصادية في السودان كانت أفضل وكان الاقتصاد العالمي اقل شراسة.

إضافة الي اهدار السيادة , حتى صار السودان من تابعي التابعين, نتج عن الديون التي تراكمت في السبعينات والنصف الأول من الثمانينيات أعباء مهولة علي أجيال لم يكن لها دور في اتخاذ قرار الاستدانة وجلهم لم يكن قد ولد بعد.

في بوليفيا صعد حزب الحركة الاشتراكية بقيادة إيفو موراليس إلى الحكم في 2006 إلى 2019 وحقق إنجازات مشهودة ومذهلة مثل أدني نسبة بطالة في أمريكا الجنوبية وأعلى نمو اقتصادي وانخفض معدل الفقر بأكثر من النصف. وتم رفع الحد الأدنى للأجور من 60 دولار إلى 310 دولار وكادت الأمية أن تختفي وانخفض معدل التسرب المدرسي ومعدل وفيات الرضع ووفرت الدولة رعاية صحية مجانية لمرضى السرطان. وتم تقليص الفجوة بين الجنسين بتمليك الأراضي للنساء وتقدمت بوليفيا الي المركز الثالث في نسبة مشاركة للمرأة في البرلمان بنسبة 53 في المئة من مقاعد البرلمان.

ونسب ايفو موراليس هذه الإنجازات التي تحققت في وقت قصير بفضل تأميم الموارد الطبيعية والشركات الاستراتيجية والسيطرة على المصير الوطني وبناء نموذج اجتماعي اشتراكي منتج.

ولكن في نهايات 2019 تغول العسكر بشبه انقلاب وتم ابعاد موراليس ولكن في نهاية عام 2020 اعادت الانتخابات حزب الحركة الاشتراكية للحكم هذه المرة بقيادة الرئيس الجديد لويس آرس الشيء الذي أتاح لموراليس العودة من منفاه. بعد عودته إلى الحكم قرر حزب الحركة الاشتراكية في فبراير 2021 إعادة قرض حصلت عليه الحكومة السابقة بقيمة 350 مليون دولار إلى صندوق النقد الدولي. وقال البنك المركزي إنه أعاد القرض بما في ذلك 7.4 مليون دولار من الفوائد والعمولات لتفادي إرهاق الاقتصاد بالديون والتكاليف دون داع. وقال البنك المركزي البوليفي أيضا إنه سيبدأ إجراءات إدارية ومدنية وجنائية ضد المسؤولين عن التفاوض على القرض مع صندوق النقد الدولي.

‫شاهد أيضًا‬

الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش

كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …