بهلوانيات القرض التجسيري و التراجيديا الاغريقية
عصام جبر الله :
في يناير ٢٠١٥ فاز حزب سيريزا اليساري بانتخابات اليونان بدعم حلف يساري واسع قائم علي برنامج سياسي أساسه رفض مقاوم لسياسات التقشف التي تفرضها الترويكا الأوروبية، و ضد عقود من حكم نخب يونانية سياسية و اقتصادية و اعلامية فاسدة، و ضد تآكل السيادة اليونانية لصالح الشركات العالمية و مؤسسات الاتحاد الأوروبي و مؤسسات رأس المال المالي، أهداف سيريزا الأساسية يمكن اجمالها في تحقيق نمو اقتصادي يضمن توزيع أكثر عدلآ للثروة و في ذات الوقت اصلاح مؤسسات الديمقراطية الليبرالية لتصبح اكثر تعبيرآ عن مطالب القطاع الأوسع من الناخبين و المواطنين بدلآ عن اصحاب الثروة و النفوذ.
ليلة الفوز بالانتخابات أطلق زعيم الحزب الفائز و رئيس الوزراء اليكسيس تسيبراس صيحة شهيرة “اليوم يبدأ الأمل”، النسخة اليونانية من “سنعبر و ننتصر” ،” التي ستصطدم بالمفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول برنامج انقاذ الاقتصاد اليوناني، دامت المفاوضات لأكثر من سنتين لتنتهي بتدجين سيريزا و و فرض سياسات تقشف أقسي من السابقة عليها و هي نفس الدواء الذي قاد للأزمة التي اتت بسيريزا، ليجيز البرلمان شروط الاتحاد الاوروبي القاسية بتحالف بين نواب سيريزا و حزب يميني متطرف، و يتحول اليكسيس تسيبراس لرئيس وزراء اليونان من قائد مقاوم أتي للحكم علي اكتاف آمال و مطالب حركة مقاومة شعبية يتحول لتكنوقراطي إضافي طائع لشروط الشركات العالمية و دوائر المصالح و القرار في الاتحاد الاوروبي و مؤسسات و مصارف التمويل الدولية.
في صيف ٢٠١٥ نفسو و بعد اتضح اتجاه اغلبية نواب و قيادات سيريزا للرضوخ للضغوطات استقال وزير المالية و أحد ابرز مفكريها و قياداتها يانيس فاروفاكيس رفضآ للتحول الجذري في موقف الحكومة و الذي يناقض كليآ البرنامج الذي وعدت به ناخبيها و فازت علي اساسه، و استقال معه ٣٨ من النواب من الحركة ليشكلو كتلة مستقلة.
في الانتخابات اللاحقة خسرت سيريزا اغلبيتها، و فاز بها حزب الديمقراطية الجديدة اليميني، لا يسمح المجال الآن لتناول كل التجربة اليونانية.
ماذا عن “القرض التجسيري” و الأمل و التغيير و الانتصار؟
بعد رضوخ حكومة اليونان لكل الشروط المفروضة عليها و علي رأسها “الاصلاحات” الاقتصادية و هي اسم الدلع لسياسات التقشف القاسية اضافة لباقي القائمة المعروفة من خصخصة و زيادة الضرائب علي المواطنين، تخفيض المعاشات و خفض الانفاق علي الخدمات العامة (تعليم، صحة) وافق الاتحاد الاوروبي في يوليو ٢٠١٥ علي منح اليونان قرض تجسيري بقيمة سبعة مليار يورو حتي الموافقة علي خطة الانقاذ، ذهبت ما يفوق ال 4 مليار منها مباشرة للبنك المركز الاوروبي و المتبقي لصندوق النقد الدولي.
وصفت المتحدثة الرسمية لسيريزا حينها زوي كونستانتبولو السياسات المفروضة بأنها مذبحة اجتماعية.
السبب المباشر للأزمة أن اليونان كانت عالية المديونية و انها أصبحت عاجزة عن سداد ديونها و علي وشك اعلان الافلاس، و أنها اذا فعلت ذلك ستلحق بها في اعلان الافلاس ايطاليا و ايرلندا و اسبانيا و البرتغال مما يعني خسارة بنوك كثيرة خاصة بنوك ألمانية و فرنسية لما يفوق التريليون يورو، مما استدعي تدخل المانيا و فرنسا للضغط علي الحكومة اليونانية الجديدة ل “غتغتة” الكارثة مع تقديم اضخم معونة مالية في التاريخ البشري مربوطة بالشروط الاقتصادية التقشفية القاسية المعروفة تحت مسمي الاصلاح.
بعد هذه السنوات هل فعلا تم انقاذ اليونان و اقتصادها؟ هل تخلصت من الديون – العرض الأساسي لأزمتها الاقتصادية؟ و هل تم اعفاءها منها؟
ما حدث هو عمليآ انقاذ للبنوك و المؤسسات الدائنة لليونان تحديدآ البنوك الألمانية و الفرنسية، علي حساب مواطني احد افقر دول الاتحاد الاوربي، بوضع اليونان في حالة “غيبوبة” اقتصادية صناعية و معتقلة في سجن الديون الكارثي توصف بالاستقرار الاقتصادي، مصحوبة بارتفاع اضافي في ديونها لأنها اصبحت “فنيآ” مؤهلة للاستدانة مجددا من ذات البنوك التي ضمنت باللعبة السابقة عدم خسارتها لديونها علي اليونان. كل هذا مصحوب بمزيد من التقشف و تقليص الصرف علي الخدمات العامة و الاجتماعية، الزيادة المستمرة لضريبة القيمة المضافة العالية أصلآ، زيادة ضرائب صغار و متوسط الاعمال، مزيد من استقطاعات المعاشات و زيادات ضريبة الدخل الشخصي.
كل هذا لتمويل و لو جزء من الديون المتزايدة.
كل هذا مع ترقب متزايد لانفجار نفس الأزمة اليونانية مجددا، و ايطاليا علي الخط.
دي التراجيديا اليونانية باختصار أتمني أن لا يكون مخل، و طبعا في تفاصيل كتيرة تستحق النظر فيها.
المخزي و المشين هو محاولات تصوير الحصول علي قرض معبري او تجسيري بأنه انتصار، و تصوير أن الحصول علي شهادة حسن سير و سلوك كمستدين هي انتصار، رغم أن حمدوك و الحريكة و طاقمهم الاقتصادي يعلمون عواقب هذا المسار و بخبث منقطع النظير يروجون لأن هذا هو الحل و المخرج الوحيد ، أما باقي الطير و خفاف العقل المبارين السيرة فلا تثريب عليهم.
الايهام و الخداع بأن هناك مستقبلآ فرصة لاعفاء الديون اذا احسنا السلوك و التزمنا بالأوامر هو مزيد من الغرق في رمال الديون المتحركة، الصومال التي يضرب بها المثل موعودة بالنظر في حالتها في عام ٢٠٢٤ اذا واصلت الالتزام و جزء من هذا الاتزام هو اخذ مزيد من الديون لتسديد متأخرات الديون و فوائدها.
و من أولي بالاعفاء اليونان التي يهز عدم استقرارها كل الاتحاد الاوروبي و بنوكه و الأسواق المالية العالمية أم السودان و الصومال؟
المرابي العادي ما بيهمو انك تعمل شنو، تسرق تكتل تنهب تبيع بيتك اهلك ارضك روحك، البيهمو قروشو ترجع ليهو بي فوائدا و بيهمو انك تظل معلق في حبل ديونو للأبد و الا خسر مصدر ربحو و ثروتو.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …