موظفي الخدمة المدنية والعواطف
ريم عثمان :
نعاني كثيراً من تردي الخدمات في الخدمة المدنية في بلادنا، رغماً عن وجود كفاءات قادرة على العمل والإنجاز بصورة تستطيع الدفع بعجلة التنمية في البلاد الي مدى بعيد، وأكبر دليل على ذلك نجاح الكثيرون خارج السودان وتميزهم فيما يقومون به من عمل.
هذا يعني أن الخلل في الخدمة المدنية مرده لأشياء أخرى لا علاقة لها بكفاءة منسوبيها، لكن ذلك لا يعني أنهم بعيدون عن هذا الأمر، فقد يكون ذاك التعامل العفوي وتلك القيم الجميلة ذات المعاني السامية التي تتنافى مع الطابع العملي لأعمال الخدمة المدنية هي من أهم أسباب الخلل، فانت قد تذهب يوماً لقضاء حاجة لك في مرفق حكومي وتتفاجأ بخلوه من الموظفين والعمال، والسبب أنهم ذهبوا لمؤزارة زميل ألمت به احد نوائب الدهر، الهدف هنا سامي ونبيل ولا يمكن للعقل العاطفي للإنسان السوداني إلا التفاعل معه، لكنه بلا شك من الناحية العملية خللاً يعاني منه متلقي الخدمة، قد نجد بعض المرافق تتخذ اجراءات تخفف من هذا الضرر، لكن من النادر أن نجد من يضع قانون لمنع مثل هذا الأشياء، قد يحدث في المؤسسات الخاصة فالأمر فيها يختلف كلياً.
العواطف تغلب علينا في تنفيذ القوانين بصورة مطلقة، وما اكثر الجودية وما أنبل مواقفهم، لكن في الخدمة المدنية ورغم الأرتياح النفسي الذي يسود تغليب العواطف في المواقف التي تضع المسؤول في موقف يحتاج فيه لقرار قاس، ولكن الجودية والاتفاق الجمعي على التسامح واللين يجنبه ذلك، من يدفع الثمن هي الخدمة المدنية نفسها، لأن القوانين لم توضع إعتباطاً، ولابد من تناسي العواطف وتنفيذها بكل ما تحمله من ألم، ولا يستثني كاتب المقال نفسه من هذا السلوك، فالجميع نشأ على قيم مجتمعية معينة تكاد تكون قانوناً فوق القوانين، وهذا معيق دون شك.
نحتاج لمواجهة أنفسنا بقوة، نحتاج لتكبيل العواطف والإلتزام بالقوانين، نحتاج تطويع العقل الجمعي والتأثير عليه بإعلاء صوت القوة والصرامة والتخلي عن البساطة والعاطفية.
قد يستنكر البعض هذا المقال في البدء، لكنه حتماً لو استطاع حسم العاطفة بداخله وإمعان النظر فيه وفيما سيجلبه للخدمة المدنية من تطور سيبدأ في التفكير في كيفية التنفيذ، وقد يبدو الأمر مستحيلاً في بادئ الأمر، وغالبية منفذي القوانين بصرامة غير محبوبين من مرؤسييهم، ويقع عليه الإتهام بعدم الإهتمام بمن حولهم، رغم سلامة مواقفهم.
لنعتبرها وقفة، أو نقطة نضعها داخل سطر تعاملاتنا كموظفي خدمة مدنية، ولنحاول التفكير مرتين حين نخرق قانون ما مهما كان بسيطاً، لنفكر في مردود ذلك على تنفيذ الخدمة وعلي الضرر الذي يقع علي متلقيها.
قد يبدو هذا الأمر بسيطاً وقد يظن البعض أنه لا يحتاج للوقوف عنده، لكنه بالتأكيد له تأثير كبير علي تطور الخدمة المدنية من هذا الجانب، وتغيير ذلك ليس هيناً ابداً لأنه يتعارض مع طبيعة الإنسان السوداني البسيطة والميالة للمجاملات وتغليب المحبة والسلام، وقد يعي هذه الصعوبة كل من كتب الله عليه العمل خارج السودان حيث السيادة للقوانين فقط، لكنا نستطيع، فالإرادة القوية هي أيضا إحدى مميزات تكويينا، ولا شئ غيرها قد يحدث التغيير المنشود، فقط علينا الإقتناع بذلك، ووضع القوانين علي رأس التعاملات في الخدمة المدنية، ويكون تفعيلها سلوك ذاتي ما استطعنا، ولنضع عواطفنا حيث يجب لها أن تكون، وذلك مما قد يجعل الخدمة ومتلقيها علي قدر عال من التميز ونستطيع الإرتقاء بمؤسساتنا للقدر الذي نطمح به.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …