لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو – من منظور قانوني
أماني عجيمي :
– منذ انشاء لجنة ازالة التمكين بموجب قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونية 1989 وازالة التمكين ( تشريع رقم 1 لسنة 2020 ، باشرت هذه اللجنة السلطات الممنوحة لها بموجب ذلك القانون ، و ظلت هنالك كثير من التساؤلات بشأن انشائها وطبيعة عملها والسلطات الممنوحة لها والقرارات التي تصدرها. وفي واقع الأمر ان عمل هذه اللجنة ( على الرغم من أهميته في تفكيك النظام السابق من حيث جمع المعلومات وتحليلها ) الا أنه يتقاطع مع العديد من المواضيع التي تتعلق بسيادة حكم القانون ، قضايا الحقوق والحريات ، وبشكل أساسي مفاهيم العدالة الطبيعية وغيرها من الأمور التي تعزز الانتقال الديمقراطي في السودان وعليه يتوجب ايلاء هذا الأمر الأهمية اللازمة لتناوله بالبحث والتنقيح بغرض استقراء الجوانب التي قد تحتاج الى مراجعة أو تعديل اذا تطلب الأمر ذلك والتي تدعم الجوانب السياسية المتعلقة بالعدالة وسيادة القانون لحماية القانون من التجاوز السياسي وتعزيز قطاع العدالة.
– نصت الوثيقة الدستورية ( مرسوم دستوري رقم 38 2019 ، في (المادة 7 – (15)) أن من ضمن مهام الفترة الانتقالية ( تفكيك بنية التمكين لنظام الثلاثين من يونيو 1989 وبناء دولة القانون والمؤسسات). وهذه المادة تعني بالضرورة أن تفكيك هذا التمكين يتوجب أن يكون متماشيا مع مباديء سيادة حكم القانون وبناء دولة المؤسسات . والحقيقة أن سيادة القانون ( ويشار اليها أحيانا بمبدأ الشرعية أو المشروعية) اذا كان لها معنى واحد مختصر فهي تعني أن لا أحد فوق القانون بما في ذلك الدولة ومؤسساتها. وهذا الموضوع مهم للغاية وذلك تصحيحا للكثيرين ممن يعتقدون أن هذه اللجنة طالما تم تكوينها بموجب قانون فان كل أعمالها قانونية وصحيحة والبعض يذهب الى أبعد من ذلك ويعطيها حصانة دستورية طالما أن الدستور نص على ضرورة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 ! وهذا الفهم على علته فهو فهم خطير يؤدي تدريجيا الى هدم المباديء المعروفة لسيادة حكم القانون ويضع هذه اللجنة وما تقوم به من أعمال فوق القانون باضفاء نوع من الحصانة على قراراتها تماشيا مع هتاف ( الحل في البل ) أو الهجوم على كل من تسول له نفسه بانتقاد عمل هذه اللجنة ( ووصمه بالكوز الخائن) وبالتالي فقد أحجم الكثيرين من الادلاء بدلوهم في هذا الأمر اما خوفا أو طمعا وبالتالي فان الاستمرار على هذا النمط يرجع بالدولة والقائمين عليها الى المربع الذي انطلقت منه ثورة ديسمبر المجيدة ، والقضاء على حلم السودانيين والشهداء الذين بذلوا أرواحهم ودماءهم الغالية مهرا لاعلاء قيم الحرية والعدالة في دولة تنعم بالسلام والديمقراطية .
– و ما يجري الآن مثله مثل كثير من الحالات الشبيهة في بعض الدول أن سلطات الدولة كانت مشغولة بتدعيم السلطة أكثر من انشغالها بتعزيز سيادة القانون حيث كان ينظر للاخيرة في أغلب الأحيان باعتبارها خطرا على الأولى. وهذا ينطبق بقدر كبير على الحكومة الانتقالية الحالية.
– وتم النص في ذلك القانون على كيفية استئناف القرارات الصادرة من هذه اللجنة على أن تكون أمام لجنة مكونة من خمسة أشخاص تسمى لجنة الاستئناف يكونها مجلس السيادة والوزراء. كما نص على جواز الطعن في القرارات الصادرة من لجنة الاستئنافات خلال اسبوعين من صدور القرار أمام دائرة يشكلها رئيس القضاء ويكون حكمها نهائيا. وحتى الان لم يتم تشكيل هذه اللجنة ! ولا ندرى ماهي الأسباب وكيف تمارس اللجنة نشاطها بهذا الزخم دون أن تكتمل اجهزتها الاخرى حرصا على سلامة الاجراءات والتزاما بالمعايير القانونية المشار اليها أعلاه؟. كذلك السؤال الذي يثور هل تم تشكيل دائرة طعون بواسطة رئيس القضاء؟ و هل هناك حوجة حقيقية لانشاءها في ظل وجود دائرة للطعون الادارية تابعة للجهاز القضائي ويجوز استئناف مثل هذه القرارات لها. والملاحظ أن هذا القانون لم يحدد طبيعة قرارات هذه اللجنة ، لكن لا مناص من تكييفها كقرارات ادارية ! وهذا من الاهمية بمكان حتى لا تتحول السلطة التنفيذية ممثلة في هذه اللجنة الى سلطة مطلقة تتغول على الحقوق الخاصة بالافراد وتتجاوز الانظمة القضائية والعدلية في الدولة وبالتالي تقضي على شعار الثورة في تحقيق العدالة.
– والعمل الاداري هو كل عمل يصدر من فرد أو هيئة تابعة للادارة أثناء تأدية وظيفتها. وبالتالي فان لجنة ازالة التمكين جهة تتبع للادارة او الجهاز التنفيذي وبالتالي فان قراراتها تكون قرارات ادارية . والقرار الاداري يعرف بانه (كل قرار يحدث أثرا قانونيا تتخذه السلطة التنفيذية باستعمال سلطتها في تعديل المراكز القانونية بارادتها المنفردة) . وقد عرفت المادة 3 من القانون الاداري السوداني لسنة 2005 القرار الاداري بأنه ( القرار الذي تصدره جهة بوصفها سلطة عامة بقصد احداث أثر قانوني معين يتعلق بحق أو واجب أي شخص أو أشخاص ويشمل رفض تلك الجهات أو امتناعها عن اتخاذ قرار ملزمة باتخاذه ). لذا فقد اشترط القانون السوداني أن تكون الجهة التي يصدر عنها القرار الاداري ذات سلطة يعطيها اياها قانون فلا يكون قرارا اداريا ذاك الذي لا يحمل من يصدره سلطة قانونية لاصداره ، وقد يتجاوز صاحب القرار السلطة التي يعطيها القانون اياه ويلزم أن تكون الجهة التي تصدر القرار سلطة عامة وهذه السلطة قد تكون جهة حكومية أو شبه حكومية أو قد تكون هيئة مستقلة يمنحها القانون سلطة اصدار القرار.
– ولما كانت حقوق وحريات الأفراد منصوص عليها في كافة الأنظمة القانونية فان هذه الحقوق لا تتوافر الا اذا التزمت الادارة وخضعت لحكم القانون فيما يتعلق بهذه الحقوق وهو ما يسمى بخضوع الادارة لمبدأ الشرعية أو المشروعية وعندما تقوم الادارة بالخروج على حكم القانون خطأ أو عمدا بما يسبب ضررا بحقوق الأفراد فانهم يلجأون الى القضاء لينصفهم وتبدأ من ثم رقابة القضاء على أعمال الادارة. لذا فان وجود قضاء متخصص ومستقل يمارس الرقابة على السلطة التنفيذية يمثل ضمانة حقيقية لحقوق الأفراد وحرياتهم في مواجهة تسلط الادارة ، ومن هنا تنجلي أهمية وجود قضاء اداري متخصص للفصل في المنازعات الادارية في أن رقابة القضاء على أعمال الادارة تعتبر الجزاء الأكبر لمبدأ الشرعية والضمانة الفعالة لسلامة تطبيق القانون والتزام حدوده وبه تكتمل عناصر الدولة القانونية وحماية حقوق وحريات الأفراد من جور وعسف الادارة. والسودان به نظام قضائي مزدوج وقد نشأ هذا النظام أساسا على مبدأ الفصل بين السلطات ومن مقتضاه منع القضاء العادي من النظر في المنازعات التي تكون الادارة طرفا فيها احتراما لاستقلال السلطة التنفيذية. فالقانون وضع لكي ينفذ بما يحقق مصلحة الجميع فاذا حرف تحقيقا لمصلحة فرد محدد او فئة بعينها او الادارة زاتها عد ذلك انحرافا بالسلطة تجعل القرار الاداري معيبا. وعليه يتوجب الطعن عليه بالقضاء الاداري. وطبيعة الدعوى الادارية أنها تنتمي للقضاء العيني ذلك أن المسألة المطروحة على القضاء في دعوى الطعن هي فحص مشروعية القرار الاداري بصرف النظر عن الحقوق الشخصية لرافع الطعن لكونها اختصاما للقرار الاداري غير المشروع بقصد حماية مبدأ المشروعية وخضوع القرار الاداري المطعون فيه لحكم القانون.
– وقد درج القضاء السوداني على ارساء المباديء الاتية:
➢ يجوز للمحاكم أن تتدخل لمراجعة قرارات الهيئات الادارية سواء كانت سلطاتها ادارية أو قضائية أو شبه قضائية طالما كانت تلك القرارات ذات أثر على حقوق ومصالح الأفراد أو كانت القرارات خارج اختصاص الهيئة التي أصدرتها أو أن الهيئة التي أصدرتها لم تتبع في اصدارها قواعد العدالة الطبيعية.
➢ من قواعد العدالة الطبيعية سماع الشخص المقدم ضده الطلب أمام مجلس المحاسبة حسب ظروف وطبيعة الاتهام ضده واتاحة الفرصة له لاستجلاب الشهود وغير ذلك مما يوفر له دفاعا متكاملا عن نفسه وأن يقتنع مجلس المحاسبة بأن الاتهام ضده قد اثبت على بينة معقولة.
➢ قرارات الهيئة الادارية التي لا تتبع فيها قواعد العدالة الطبيعية تقع باطلة وتكون خارج اختصاصات تلك الهيئات.
لذلك أتمنى أن تجد عملية تفكيك النظام السابق والطريقة التي تتم بها حظها من النقاش القانوني الموضوعي من قبل الزملاء القانونيين وأذناً صاغية من الأجهزة التنفيذية بغرض الوصول الى تصحيح لمسار تفكيك التمكين ووضعه في المسار القانوني السليم استكمالا لمكتسبات الثورة وشعاراتها وليس خصما عليها.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …