سائق قاطرة: تلاتين سنة سايق قطر سكة حديد فد ليلة ما بات معاي
عبد الله علي إبراهيم :
أسعدني قرار مجلس الوزراء أمس الأول بتخسيس الوظيفة العامة. وستكون هذه شنشنة عرفناها من الإنقاذ التي “شحّمت” هذه الوظيفة ووعدت بتخسيسها عند كل منعطف زنقة. ولا تفعل. ولتكسب قرارات مجلس الوزراء مصداقيتها نلتمس منه أن ينظر في القوانين التي بذلت هذا الامتيازات دفاقا على رجل الخدمة العامة وتعهرت. ونريد له أن يعمل فيها قلم المراجعة على ضوء تقرير لجنة خدمة مدنية شفوقة بالشعب. سنصدق المجلس متى بدأ بعرق المسألة بمراجعة القوانين الحاكمة لامتيازات الطبقة الحظية لا مجرد وعود قد تكون عرقوبية.
وأرجو لهم بأن يهتدوا بحكمة عامل سكة حديد. كان سائق قطر استعفى. واشترى من حقوق الاستعفاء تاكسي للمعاش. واستأجر عليه شاباً جاءه في أول يوم ليقول له إنه يريد أن يأخذ التاكسي ليبيت معه في بيته. فقال له الرجل: والله يا ولدي تلاتين سنة سواق قطر عهدة حكومة فد ليلة ما بات معاي.
أعود إلى ما وعدت أمس من حديث عن سيارات القضاة:
فُجعت جمهرة سودانية كبيرة وهي ترى في اجتماع رئيس القضاء، مولانا نعمات محمد خير، المطلب السماوي والسياسي باستقلال القضاء مضرجاً بمطالب “نقابية” في الدرك الأسفل من الشره. وبدا لنا أن النقابية النكراء اختطفت من القضاة معنى استقلال مؤسستهم حتى لم يند لهم جبين يعرضون شرههم على الملأ. واستقلال القضائية حق بالأمس واليوم والغد. ومجد الثورة أنها فتحت النقاش فيه بعد أن صمتت عنه القضائية لا تنم عن “بغم”. فكت الثورة عقدة لسان القضائية وكان جزاؤها التلويح بالاستقالة، بغنائمها، أمام مشروع قانون لتنظيمها غير منزل. وطُرق النقاش حوله مفتوحة إلا من ضاق واستنفر القبيلة مما لا يخيل على حراس العدل ولا يرقي مراقي الرصانة المحرية فيهم.
(ثم عرضت لقضايا عاجلة متعلقة باستقلال القضاء كان المرحوم نجم الدين محد نصر الدين قد عرض ها في كتابه “مقاربات قانونية” لأعود لسيارات القضاة. فقلت:
أسفر اجتماع القضاة برئيسهم عن عاهة اعترت رجل الخدمة العامة والسياسية من المهنيين وهي
الشره والخوض حتى الرأس في بحور الامتياز. ورأينا حدود السفه القصوى لهذا الشره في مثل “بدل الزوجة الثانية”. وارتبط هذا الشره بجدية سافرة ب”سيارة الحكومة”: لك ولزوجتك الأولى والثانية ولترحيل الأولاد والتبضع من السوق. وساق هذه الشره (الذي عجزت عن الصرف عليه حتى النظم المستبدة كسباً لرجل الخدمة المدنية والعامة) إلى التجنيب لتتصرف الوزارات والمؤسسات الحكومية في ما يليها من دخول حسبما شاءت لتروي غليل المترفين فيه من كبار الأفندية للحادات. وكسروا ولاية المال العام طق.
ثم نشرت عموداً آخر عن عربات القضاة بعنونا “مولانا حسن علوب: عربيتي وعربيتك”
لم أكتب عن سيارات القضاة الأخيرة التي طفحت روايتها في تسجيل للسيدة رئيسة القضاة مع القضاة كفاحاً. فالسيارة الحكومية ومتعلقاتها للقضاة وغيرهم كانت شاغلي لسنوات. فعقيدتي أن السيارة الحكومية أفسدت الخدمة العامة فساداً كبيراً. فصارت طُعماً لطوائف رجال الخدمة المدنية والسياسية يرمي به الحاكم المستبد لهم يشتري صمتهم عن الحق وتنكرهم لخلق المهنة.
وقعت على حالة هذه السيارة الجاه في القضائية خلال بحثي عن مذبحة بيت الضيافة بعد انقلاب يوليو 1971. فاستمعت إلى مقابلة عقدها الأستاذ الطاهر حسن التوم في برنامجه “مراجعات” مع مولانا حسن محمد علوب. وهو القاضي الذي انتخبه نميري في 1971 ليحقق في ملابسات انقلاب 19 يوليو ومذبحة بيت الضيافة. وانتهى التحقيق بتقرير عن الانقلاب دون المذبحة لأن نميري رفض للقاضي الاطلاع على سجلات محاكم الشجرة العسكرية التي حاكمت الانقلابيين، ضمن تهم أخريات، بتهمة ارتكاب المذبحة. ولم يقبل مولانا علوب مواصلة التحقيق في المذبحة لأن عمله سيكون ناقصاً بدون وقائع محاكم الشجرة. ويبدو أن موقف القاضي لم يسعد نميري الذي أعاده إلى القضائية بعد أن كان عينه في وقت باكر من الانقلاب مستشاراً قانونياً لمجلس “الثورة”.
ولحكاية السيارات هذه قصة. كان القضاة تقدموا بمذكرة لنميري حول تظلمات مهنية منها حرمانهم من السيارة الحكومية كرجال خدمة عامة في مصاف الوزراء. واجتمع نميري بالقضاة. وطلب القضاة من مولانا علوب أن يعرض مسألتهم على الرئيس. واعتذر مولانا لأنه لا يريد أن يزعج نميري فوق ما فعل حول التحقيق في مذبحة بيت الضيافة. وبإلحاح من القضاة عرض مولانا على نميري مسألة القضاة بما فيها السيارات. ولم يتردد نميري لحظة في منحهم السيارات. فاتصل، وهو ما يزال في الاجتماع، بمدير النقل الميكانيكي وسأله إن كانت بحوزته سيارات للقضاة. فرد المدير بالإيجاب وزاد بأنها سيارات وزراء لكن. فقال له نميري ألا ينسى أن القضاة بمثابة وزراء. وسأل مولانا خلف الله الرشيد، رئيس القضاء، عن عدد القضاة فأجابه. فواصل نميري الحديث مع مدير النقل ليأمره بتجهيز هذه العربات بالعدد كل بسائقها.
ووقعت الطامة على مولانا علوب. فأحيل للتقاعد ليلاً. وهنا المحنة. قال إنه ذهب في صباح اليوم التالي ليبدأ إجراءات المعاش ليجد السيارات في القضائية كل منها بسائقها. والقضاة من المحكمة العليا والاستئناف في شغل بها: “دي عربيتي دي عربيتك”. ومر بهم لم يحفل أحد به ولم يسأله سائل عما حل به. فأنظر ما حل بالزمالة المهنية. فألهاهم عنها نوال الحاكم. لم يكترثوا لمصير من جعلوه في وجهم عند سلطان جائر.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …