توزيعُ لحنِ الحياةِ … ونخبِها
الطيب بشير :
ربما كان أصلُ الإنتداء في السودان هو تلك الجلسات العفوية لأهل الفن والتي يتعارف الناس على تسميتها ب(قعدة)، وتجفل بعض الأوساط من المفردة المقوّسة لارتباطها في الوجدان الشعبي بحريّة اجتماعية وسلام نفسي وعدالة في توزيع لحنِ الحياة ونخبها! وما لبثت مفردة (قعدة) أن تسرّبت من براح اللّذاذات إلى سوح الطرب ذات الحضور النوعي والمحدود، وقد يتم توصيف تلك الجلسة بكونها (دكاكينية) للتعبير عن محدودية الحضور وخصوصيته.
تحفظ الذاكرة السودانية لصالون فوز في الموردة سبقاً (نوعياً) في الإنتداء في حضرة نون النسوة، فقد كان السماع قبلها ذكورياً وثورياً لدى جماعات المثقفين السودانيين، وبغض الطرف عن تفاصيل لا طائل من سردها بهذا المقال، نؤكد أن تلك الجلسات؛ على اختلاف مسمياتها، ارتبطت بالمغنين والشعراء والمستمعين المرهفين من الغاوين، وأخذت من زمانهم ذاك عمقه وبهاءه فتركت أثراً طيباً وإرثاً مهولاً من الكلمات والألحان ورفدت الساحة الغنائية السودانية بالكثير المثير (الحسن).
انتشرت مؤخراً أشكال كثيرة للمنتديات، تأثر معظمها بمنتديات الجامعات وشبابها، فجاءت منظمة ومنتجة، وخلط بعضها بين مفهومي جلسات الإنتداء و(قعدات) الأخلاء، فظهرت حفلات صاخبة رغم لافتة منتدى التي تشكو غربةً بائنة وسط ضجيج سماعات الصوت وتراقص الحضور! كما أخذ بعضُها منحىً تجارياً، كشأن الغناء مؤخراً، فصارت تذاكر تلك (المنتديات) لمن استطاع إليها سبيلا! ولأن الشعب السوداني راسخٌ في أدب السماع بقي التصنيفُ واضحاً لمنتديات السماع العالي ولجلسات “الساوند” العالي، فاحتفظ كل شكل بجمهوره برغم تودّد الصاخبين لأهل الذوق بنجومهم المحبوبين من آنٍ لثان.
وتأسيساً على مبدأ أن (الاطّلاع المفتوح مفيد بلا وجل) أقول إن المنتديات المنتشرة حالياً مفيدة هي الأخرى، برغم التصنيف الصفوي الوارد بعاليه، لكن مجرد تنزيل فهم الإنتداء للعامة يعتبر محمدةً وتسامياً يكسر احتكار الشأن الثقافي على فئة المتعلمين الذين يفضلون توصيف (مثقفين) وقد يجد بعض المبدعين من محدودي التعليم الأكاديمي، وبالتالي من المصنفين خارج بريق مفردة (مثقف) قد يجدون ملاذاً في منتدىً ما ليس ملتزماً بالضرورة بملامح الإنتداء المنتج، أو أنه يميل للترفيه الصاخب، فلكل ضرب من ضروب الطرب جمهور يتلقاه بتصنيف لا يتفق مع الخط العام ولا يأبه له. كذلك للمنتديات الحالية الفضل في أنها حلّت محل السينما والمسرح حين غابا لأسباب عديدة، وكما استبدل الشباب جلسات المقاهي الأنيقة بالتحلق حول (ست الشاي) كان ممكناً أن يكون البديلُ لغياب المسرح والسينما جلسات أسوأ ومراتع في قاعِ السماع! لذا نعطي المنتديات الحالية الفضلَ في أنها صارت ملاذاً للكثيرين في المساءات الحزينة لأهل المدينة.
نأخذ على المنتديات بشكلها الحالي دوران معظمها في دوّامة الترجيع وإعادة (التسميع)، رغم أن الإمكانات المادية والتقنية أفضل بكثير مما كان متاحاً للمنتجين الأصيلين، لكن مصيبة التقليد في بلدنا أكبر من أن ننسبها للمنتديات وأعظم من أن يحلها التفسير القاصر والتطبيق المقصّر لقانون الملكية الفكرية عندنا!
كذلك نأخذ على المنتديات بشكلها الحالي ذلك المنحى التجاري، والخلط بين فهم الإنتداء والحفلات الجماهيرية المعروفة، حيث يعلن منتدىً ما عن جلسة فنية لأحد المغنين ويؤكد الإعلان أن المقاعد الأمامية بألف جنيه والعشاء بألفين ويتناقص (عدادُ) الدفع كلما بعُدت المقاعد عن المسرح! حسناً… هذا حفل جماهيري وليس منتدى، فلا تجفل من تسميته باسمه ولا تضفي عليه لقباً لا يوصّفه.
تحتاج هذه المنتديات لكي تنهض بدورها دعماً مالياً سخياً من القطاع الخاص، أداءً للمسؤولية الاجتماعية لتلك الشركات، وبلا التزام بإعلانات مزعجة، وهذا يفك الارتباط بين أريحية العطاء ووطأة الحاجة! فقيامُ المنتدى يحتاج رعايةً وحضورُ النجوم يحتاجُ تمويلا. كذلك يجب على المنتديات أن ترتقي بالجمهور بتقديم الجديد والجميل، لا أن تهبط لحيث الكسل والركون لعبارة (الجمهور عايز كدا). وأختم بضرورة أن تكون لكل منتدى لجنة سماع خاصة تجيز ما يقدمه المنتدى وترفض ما لا ينفع الناس.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …