هل العالم امام سياسة نقدية جديدة؟
محمد فاروق سلمان :
اثارت الاعلانات المتناقضة حول اعلان افلاس البنك المركزي اللبناني والذي يعني بالضرورة افلاس الدولة بمعنى عجزها عن توفير السيولة لتغطية البند الاول في ميزانيتها والمعني بالمرتبات والخدمات والسلع الاستراتيجية حسب تصنيف اقتصاد اي دولة وهو ما يعني الخدمات والسلع التي تلتزم الدولة بتوفيرها مثلا: العلاج، التعليم والامن، الوقود والغذاء اضافة لمرتبات القطاع الحكومي، ورغم نفي السيد رياض سلامة حاكم (مدير) البنك المركزي في لبنان، والذي يشغل المنصب منذ ثلاثين عام لافلاس البنك المركزي، الا ان تصريحات الحكومة والتي أتت على لسان نائب رئيسها سعادة الشامي، رغم محاولات استدراكه، كانت واضحة: «سيجري توزيع الخسائر على الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين، ولا توجد نسبة مئوية محددة، للأسف الدولة مفلسة وكذلك مصرف لبنان، ونريد أن نخرج بنتيجة، والخسارة وقعت بسبب سياسات لعقود، ولو لم نفعل شيئاً ستكون الخسارة أكبر بكثير، هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها ولا يمكن أن نعيش في حالة إنكار ولا يمكن أن نفتح السحوبات المصرفية لكل الناس وأنا أتمنى ذلك لو كنا في حالة طبيعية».
وفق طبيعة الاقتصاد السياسي في عالم اليوم، وكنتاج لعدم كفاءة جهاز الدولة، وانعدام المحاسبية والشفافية، يتم تجاوز افلاس الدولة في كثير من الدول دون حوجة لاعلان ذلك، وذلك من خلال تدهور قيمة العملة الوطنية، وتكرار حديث “ملتبس” عن تحرير قيمة العملة لاعفاء الدولة من التزامها عبر البنك المركزي للايفاء بقيمة سندات القبض التي تصدرها كعملة وطنية، دون ان تكون هناك قيمة لتعهدها بالدفع لحامل هذا السند مبلغ لا يمكن اعتباره ثابتًا عند مقارنته بما يعرف بالعملات الصعبة، والتي يتصدرها الدولار، أو يتسيدها للدقة!
تستفيد الولايات المتحدة بشكل كبير من اعتبار الدولار كسلعة بنفسه في السوق العالمي، وهو وضع يجعل للاقتصاد الامريكي امتيازات متعددة، ويمكن ملاحظة انهيار قيمة العقارات مع الازمة المالية “العالمية” في ٢٠٠٨، والذي يعني زيادة قيمة الدولار بشكل بديهي، ولكن العجز في دفع اعتمادات التمويل العقاري يجعل هذه الزيادة في قيمة الدولار اشبه بارباح القطاع المصرفي عندنا في السودان: ارقام في اوراق الميزانية، ومن الغريب عدم انهيار قطاعنا المصرفي مع الانهيار الاقتصادي في الدولة! وعلى نحو تحمله افلاس الدولة كما وضح في اعلان الحكومة اللبنانية، والذي يبدو ان نظامنا الاقتصادي هنا اقدر على توزيع خسائره على المودعين والجمهور مباشرة، وفرض تحمل فشل الحكومة وعدم كفاءتها على المواطنين لوحدهم، من خلال النيل من قيمة مدخراتهم ودخلهم بالعملة الوطنية!
يدفع هذا الوضع المواطنين، ووفق استحالة ثقتهم في العملة الوطنية، لطرق بدائل اخرى لحفظ مدخراتهم، كالعقارات مثلا او اي اصول اخرى، بما في ذلك الادخار بالعملة الصعبة، مما يزيد من الطلب عليها وبالتالي زيادة سعرها، ويمكن ملاحظة اسعار الاراضي والتي تنافس في الخرطوم اغلى مدن العالم، وتتفوق عليها! رغم تفاوت الخدمات والبنية التحتية، والتي لا يمكن ان تجعل للاراضي في السودان اي قيمة اقتصادية بخلاف “الادخار”. والضرر الأسوأ من هذا السلوك: في نزوع الجميع نحو تجميد الاصول، وبالتالي ركود الاقتصاد، وتجميد فرص العمل والنمو.
النظام المالي العالمي على باب تغيير حقيقي، فعدم كفاءة انظمة الحكم في بلدان كثيرة، وضعت كفاءة النظام المالي في العالم كله امام محك حقيقي، وسياسات مؤسسات التمويل منحازة بشكل لا يمكن استدامتها. وبعيد عن واجبات الاصلاح السياسي ومحاربة فساد انظمة الحكم في بلدان كثيرة؛ يرتبط الان اصلاح نظام الحكم بواجبات اعادة صياغة الدساتير بحيث يكون من واجبات الدولة: الحفاظ على قيمة العملة الوطنية، كما تثيره هذه الورقة* عن النظام المالي في روسيا.
من المهم قراءة الرابط ادناه وفق سياق الصراع الروسي في اوكرانيا ومع الغرب. والذي بكيف ما سينتهي اليه سياسيا او عسكريا، لكنه يطرح وبشكل ملح ملامح للاقتصاد العالمي لن تكون فيه الهيمنة للدولار الامريكي، وسيجعل من واجبات التحرر من حقب الهيمنة الحالية لنظام مختل: قدرة الدولة الوطنية في عالم اليوم على تسويق عملتها الوطنية كسلعة مستقلة عن مفهوم العملات الصعبة السائد الان، تقاس قدرتها الاقتصادية بمقدرتها على الحفاظ على قيمة عملتها الوطنية.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …