القضائية راس رمح الإفلات الفلولي من العقوبة
عبد الله على إبراهيم:
ما يقوم به القضاء منذ حين هو كنس مبرمج (إي لا إرادة فيه) لكسب ثورة ديسمبر ٢٠١٨. لقد جعل القضاء من نفسه إذاعة على موجة طويلة لضخ الأخبار السعيدة للفلول. وشرّع لمبدأ الإفلات من العقوبة كما لم يسبق لقضاء من قبل. وكتبت مطولاً عنه أنه مؤسسة ارتضت منذ عهد القاضي أبورنات أن تكون مصلحة حكومية موروثة عن الإنجليز لا سلطة ثالثة في الدولة المستقلة. فصار القضاء وظيفة لا سلطاناً. وقارئ قانون القضائية سيرى أنها بالحق مُنشأة من دم وفرث السلطة التنفيذية حتى صار فينا القاضي المجاهد في الجنوب في أصل تعريف الخدمة بها والمكافأة عليها.
ويعم الحبور الفلول وإذاعة القضائية تزف لهم أخبار إفلاتهم من العقوبة. وأثنى غندور في كلمته البائسة لدي افلاته من العقوبة على القضاء وقرظه لأنه كان يعرف أنه مطلوق السراح طالما كان فينا قضاء السودان الرفيع. ويعلم الناس كافة أن من جعل إطلاق سراحه ممكناً هو الثورة المضادة في ٢٥ أكتوبر. وأعيد نشر المقال ليرى الفلول، الذين يهرجون بعدالة قضاء السودان، كيف أهانوه في يوم ليس هذا كانت الثورة حاضرة حتى خرجوا من المعنى. كانوا يقولون اعرضونا على القضاء إن فسدنا. وعرضوا بعضهم للقضاء فأسف الدفاع عنهم إسفافاً مرموقاً.
إلى المقال القديم
من عوائدي صباح الأحد أن أشاهد برنامج فريد زكريا على السي إن إن. فأجد فيه لمُعاً من سياسة الأسبوع المنصرم ولسياسة القادم. وقبضت منه في الأسبوع الماضي مفهوماً أذاعه ديفيد مليباند وزير الخارجية البريطاني السابق ومدير لجنة الغوث العالمية. وصف فيه الوزير زمننا ب”زمن الإفلات من العقاب” (Age of impunity). وطرأ له المفهوم خلال عمل لجنته في فض النزاعات المسلحة في العالم. فقال إنه زمن يحسب أطراف هذه النزاعات أنهم بمنجاة من المساءلة ولا عقاب لهم على جرائمهم. فهم معصومون لا يطالهم قانون. ولأن بوسعهم الإفلات من كل جريمة فهم لا يتورعون من القتل لا يلوون على شيء.
وقع لي المفهوم لأني رأيت من الإنقاذيين استنكاراً فطرياً ودقيقاً لمساءلتهم القائمة عن عقودهم الكأداء في الحكم. أو هم في الواقع في حالة ذهول أن يجرؤ أحد على مساءلتهم عما فعلت أيديهم. وهي حالة “كيف الكيف” التي يصف السودانيون بها من لا يحمل “اللمسة”. مثلا: استنكروا عرضهم على لجنة إزالة التمكين وطلبوا ألا يمثلوا إلا أمام القضاء لأن الثورة، كما قلتم يا قحط، “حرية سلام وعدالة”. لا جدال. فقلت لأحدهم مرة: وهل رضيتم بالقضاء يا صاح؟ ها بعض رموزكم مثلوا أمامه ومنهم من ماثل أمامه الآن. ولا أعرف محاكم خضعت للهرج والابتزاز والتشنيع من ممثلي الدفاع كما خضعت هذه المحاكم. فلم تقبل هيئة الدفاع بالحكم على البشير وتصعلكت بالهتاف في المحكمة: “سياسية سياسية سياسية”. ولم يخرج منهم رشيد يسألهم كقضاء واقف التأدب في حضرة القضاء الجالس الذي صدعونا بطلب التقاضي أمامه.
ويهرجون الآن في محاكمة منفذي انقلاب ١٩٨٩. ويجرجرونها بأسفل ما في جعبة محامي الدفاع من ترهات بهدف جعلها لا محكمة في الواقع. وبدا لي أن تنحي القاضي الأول عن نظر القضية كان قرفاً من مشاغبين في الدرك الأسفل من الخلق. بل وصفوا القضاء بعد قرار ما لرئيسه بأنه مسيس. فلم ينتظروا الحكم كما فعلوا في المرة الأولى ليلقوا باتهامهم للقاضي والقضاة. بل عجلوا به.
هذه حالة “دا حار ود ما بنكويبو”. فهم يطلبون المثول أمام القضاء شغباً بوجه لجنة إزالة التمكين. وحين يعرضون أمام القضاء فدا الذي لا يكتوون به. وهذه سلطنة من عيار “غرور الشوكة” (Arrogance of power). وهو المفهوم الذي وصله الوزير مليباند بمفهومه عن “عصر الإفلات من العقوبة”. ومفهوم غرور الشوكة من وضع السناتور الأمريكي وليام فلبرايت في منتصف الستينات خلال معارضته للحرب الأمريكية في الفيتنام.
يقول مفهوم غرور الشوكة إن القوانين العالمية والأعراف لم تعد تلجم الدول الوطنية من استباحة شعوبها وحرمانهم حقوقهم المدنية. وعليه فحكام هذه الدول الوطنية مطلقو اليد في أهلهم يفعلون بهم ما لم يؤمروا به شرعاً وعرفاً. وهكذا ترى أن غرور الشوكة هو الطاقة التي من وراء الإفلات من العقاب. فلا رادع للحاكم دون ابتذال شعبه طالما ضمن أنه فالت من العقاب.
تَمنعُ الإنقاذيون على المساءلة وعلوهم هذا العلو الكبير حالة فضحاء من غرور الشوكة، أو أضغاثها. وبدا أنهم اسْتَحلوا الشوكة وانتفعوا منها كثيراً. وخيل لهم طول مكثهم فيها أنها دائمة. وما دوامة. وبدا أنهم مخلوعون من خَلْعَهم منها. يصورون لأنفسهم أن من خلعهم أحزاب لا يملأ جمهورها حافلة صحافة. وهذه تعزية ينسون معها جدل الفئة القليلة الرباني.
وأكثر غرور الإنقاذ ناشئ من أنها سلطة ثيوقراطية ترهن بقاءها بالدين. والعكس صحيح. فخطهم مفتوح مع ربنا كما قال مفتر علي الله منهم. فكيف سيتصالح البشير مع خلعه وهو القائل إنه لم يأتنا عن طريق الانتخابات، بل بتكليف رباني؟ وزاد بأنه لو أخطأ بحقنا فحسابه يوم الحساب. وثقافة أنهم وكلاء الله في الأرض شائعة في سائر الإنقاذيين تجعلهم أوصياء علينا يستكثرون علينا قولة “بغم” ناهيك من الإطاحة بهم وجرد حسابهم. فغرور الشوكة هيأ لهم أنهم فوق المحاسبة بقضاء أو بغيره. فهم أنصاف آلهة.
لا أعرف إن أفاد هذا الغرور والتعالي الإنقاذي على المساءلة قضيتهم. فكثير منا راغب أن تنتهي فترة جرد حساب الإنقاذ بسرعة وكفاءة وبعدالة. فليس منا من ليس له قريب أو حبيب أو معارف بين المنتظرين هذا الجرد يريد لهم القسط وحسن الخلاص مما هم فيه. ولا أعتقد أن خط رفاقهم في إعلامهم، الذي يرشح غرور سلطة هي التقوى إفلاتاً من العقاب، مما يقربنا إلى ما نريد من قسط لرموزهم. فهم بهذه العوة المغرورة والعتو يصدمون حساً سودانياً غريقاً بالسوية (egalitarianism). هو الحس الذي أساءوا إليه طويلاً حتى أدركهم في اللفة.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …