
مسار الشرق: الفتنة الساهرة (2-2)
عبد الله علي إبراهيم:
لا أعرف فتنة ضربت السودان منذ الثورة في مثل فتنة مسار الشرق في اتفاق للسلم كان المنظور أن ينزل برداً وسلاما على السودان. فلم يقتصر شره على الخصماء بل امتد بالعدوى إلى غيره. فأودت مقاومته بالحكومة الانتقالية للثورة في أكتوبر 2021. بل اصطرع حوله حتى من عارضوه فتفرقت جماعاتهم أيدي سبأ منذ يوليو الماضي.
كانت مناسبة إعلان مسار الشرق في مدينة بورتسودان، حاضرة الشرق، في نوفمبر 2019 ضربة البداية في حلقات العنف التي استثارها. فالتحم مناصروه ومعارضوه في الندوة التي رتبها حزب الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة، الموقع عن الشرق على اتفاق جوبا للسلام، لتدشين المسار لأهل الإقليم. فذهب الصراع بحياة اثنين وضحايا آخرين. ثم تصاعد الاحتجاج ضد المسار من فوق منبر المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة بزعامة محمد الأمين ترك، ناظر شعب الهدندوة. ولما لم تلغ الحكومة الانتقالية المسار نادى المجلس الأعلى جمهوره للاعتصام وسد المداخل لميناء بورتسودان في أكتوبر 2021. وكان الاعتصام القشة التي قصمت ظهر الحكومة الانتقالية بانقلاب الجيش عليها في 25 أكتوبر.
ولكن التطور المؤسف حقاً هو انقسام المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة الذي قاد الحملة ضد مسار الشرق. ففي ملابسات يتكهن الناس بها تكهناً لم يعد الناظر محمد الأمين ترك، ناظر الهدندوة ورئيس المجلس الأعلى، راغباً في مواصلة تكتيك “التتريس” ليفرض على الحكومة إلغاء المسار. ويتهمه سيد علي أبو آمنة، الزعيم بالمجلس، بأنه طلق القضية بعد استمالته لجانب الفريق حمدان دقلو، نائب رئيس مجلس السيادة، والرئيس المكلف بإدارة أزمة شرق السودان. فتضاربت تصريحات من الطرفين يشدد فيها أبو آمنة على سلاح التتريس، بل ويمارسه، بينما أنكره ترك بالكلية. ورهن الناظر ترك الحل بلجنة حميدتي التي لم تزد عن تعليق العمل بالمسار لأسبوعين حتى تتراضى الأطراف.
ولا يبدو أن ثمة حل يلوح في أفق اللجنة. فحميدتي هو مهندس اتفاق سلام جوبا بمساراته ولا يريد أن يمس بالتعديل، أو الإلغاء، مفردة منه خشية إغضاب الحركات المسلحة التي تعاقد معها في جوبا. فهي لن تأمن على التزام الحكومة باتفاق السلام معها إن مس مفردة منه ضر. وما يحملها على هذه الاستماتة عند حرف الاتفاق هو تصاعد المطالبات مؤخراً في دوائر سياسة بالخرطوم بإلغاء الاتفاق جملة واحدة. فإلغاء مسار الشرق مما سَيُطمع هذه الدوائر في الغاء اتفاق السلام كله.
ومن جهة أخرى وقع الانقسام في المجلس الأعلى لنظارات البجا”. منذ أواخر يونيو الماضي. فأزعجت الناظر ترك تصريحات من جماعة أبو آمنة عن مواصلة التتريس حتى إلغاء المسار. فقرر تجميد كافة أمانات وصلاحيات المجلس الأعلى إلى حين عقد مؤتمره العام. وزاد بتسليم أختام المجلس وورقه المرؤوس لأمانات حكومات الشرق حفاظاً على أمنها. ووصف التصريحات التي تصدر من خصومه بأنها “مشينة ومعيبة” ولا تعبر عن المجلس. واعتزل أبو آمنة الناظر ترك وسمى جماعته “الهيئة القومية العليا للمجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة”. وصار أمينها السياسي وناطقها الرسمي. وقال عن تجميد المجلس إنه “مدفوع الأجر” وطالب بحل لجنة حميدتي التي لم تجد فتيلا في قوله.
للطاقة السلبية لمسار الشرق أصل في فكرنا السياسي وممارسته. فيتسم فكرنا وممارسته بثنائية السلام والديمقراطية. فعقيدة المسلحون في الهامش تاريخياً أنهم، متى جنحوا للسلم ولقوا منافع منه لإقليمهم، فلا شغل لهم بالديمقراطية واستتبابها في كامل البلد. واشتهروا بتوقيع اتفاقات مع نظم ديكتاتورية عسكرية مثل اتفاقية أديس أبابا (1972) مع الرئيس نميري واتفاقية السلام الشامل (2005) مع الرئيس البشير. وانقلب الرجلان على عهدهما مع المسلحين بصورة أو أخرى وفي وقتهما الخاص المناسب ليشتكي المسلحون المسالمون من “نقض العهود” أبدا.
ورأينا التاريخ يعيد نفسه مع مسلحي اتفاق جوبا الحالي. فلم يظفروا من الاتفاق بالسلام فحسب، بل عملوا أيضاً على مكافأة حلفائهم من المدنيين بمسارات مثل مسار الشرق تحت مظلة السلام. ورأينا هنا خروق مسار الشرق الكأداء للديمقراطية. ففرض اتفاق السلام، كما رأينا، حليف المسلحين وصياً على إقليمه بصورة اعتباطية أوغرت صدور غيره. كما رأينا المسار يهدم منظمات مثل المجلس الأعلى لنظارات البجا بالخلاف حول ما صح عمله لإلغاء المسار. واستغربت أن هذا الخراب الذي جاء في أثر مسار الشرق لم يحرك ساكن المسلحين الذين اخترعوه لإطلاق مبادرة من أي نوع للتوسط لرأب الصدع الذي أحدثه في الشرق والوطن عامة. فهم مع السلام وأما الديمقراطية فلها رب يحميها.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …