
هل مارست الحكومات الانتقالية سياسة تقشف اقتصادي؟
معتصم اقرع:
التقشف (austerity) سياسة اقتصادية تستخدمها الحكومات كأداة لتحقيق أهداف اقتصادية تتلخص في خفض عجز الموازنة بغرض خفض معدل التضخم وتوفير فائض مالي يتم استخدامه لسداد الديون.
يتم تطبيق إجراءات التقشف بتخفيضات في الإنفاق الحكومي العام أو زيادة الضرائب في بلد ما أو كلاهما. من المهم ملاحظة ان اهم سمات التقشف كسياسة اقتصادية هو تقليل عجز الموازنة عن طريق خفض الإنفاق أو زيادة الدخل الضريبي ليقود ذلك الي هبوط في معدلات التضخم والدين العام.
فيما يختص بتقليل الإنفاق تلجأ الحكومات الي تخفيض الصرف على الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم وتنمية البنية التحتية ودعم السلع الضرورية أو قد تلجأ الِي إجراءات اخري مثل تقليص عدد العاملين بالخدمة المدنية أو تجميد الأجور والمعاشات أو تخفيضها.
وفي جانب الإيرادات تنطوي سياسات التقشف علي زيادة الضرائب المباشرة على الدخل والضرائب غير المباشرة على المبيعات مثل ضريبة القيمة المضافة والجمارك وأيضا الرسوم على الخدمات الحكومية مثل استخراج الأوراق الثبوتية والتصاريح الحكومية المختلفة. ويمكن زيادة الإيرادات بفرض رسوم جديدة على العقارات والأصول العينية الأخرى.
ولكن فعالية تدابير التقشف في تحقيق أهدافها في سياقات متباينة لا تزال موضع نقاش حاد. من ناحية فأن العجز الهائل في الموازنة يغذي التضخم ويمكن أن يخنق الاقتصاد وبالتالي يحد من الإيرادات الضريبية.
ومن ناحية اخري إجراءات التقشف تجعل الحياة صعبة على المواطن العادي بتقليل الدخل والخدمات الاجتماعية المتاحة. فزيادة الضرائب تقلل من الدخل الحقيقي المتاح للمواطن لشراء احتياجاته، ولكن تراجع الإنفاق على السلع والخدمات قد يؤدي إلى تقلص النمو الاقتصادي عن طريق خفض الطلب الفعال ويقود تراجع النمو الاقتصادي الي تقليل العائد الضريبي ما يشكل حلقة سلبية شريرة.
لذلك لا يزال هناك خلاف كبير بين الاقتصاديين حول كيفية تنفيذ تدابير التقشف، ومتى يتم تنفيذها في مسار الدورة الاقتصادية، وعلى من تؤثر بشكل مباشر، وهذه جوانب يجب أخذها في الاعتبار عند تحديد ما إذا كانت سياسات التقشف تعمل بالفعل على تحسين الاقتصاد والمجتمع أم لا.
عادة تكون سياسة التقشف مثيرة للجدل لأسباب سياسية واقتصادية على حد سواء. ونظرًا لقسوة تدابير التقشف على المواطن وتبعاتها السالبة على النمو كسياسة انكماشية، فإنها عادة تسن في الأوقات العصيبة ما يتيح للحكومات التحجج بان الأوقات الصعبة تبرر سياسات صعبة اذ لا توجد حلول بلا ألم.
إذن فان جدوى سياسات التقشف في الدول العادية تعتمد على السياقات المتغيرة وعلى طريقة توزيع الألم الذي لا مفر منه بين الطبقات ومجموعات الدخل المختلفة.
بالعودة الي السودان، هل تم تطبيق سياسة تقشفية منذ أغسطس 2019؟ الإجابة هي بالنفي، اذ لم يتم تطبيق أي سياسة تقشف بالمعني التقليدي لسبب بسيط هو انه رغم الزيادات القاسية في كل أنواع الضرائب والرسوم والجبايات والجمارك ورغم تراجع الصرف الحقيقي على الخدمات الأساسية ورغم رفع الدعم عن الغذاء والدواء والمحروقات إلا ان عجز الموازنة ظل هائلا ومتسعا وتسارعت معدلات التضخم وواصلت الحكومات المتعاقبة في الطبع المفرط للكاش بنزق وعدم مسؤولية لا تليق بصبيان طائشين.
والسبب في ذلك هو ان ما توفر للحكومة من مال نتيجة لزيادة العائد الضريبي وتقليل الصرف الاجتماعي لم يذهب لسد العجز في الموازنة أو سداد الدين العام، بل تم استخدامه لزيادة الصرف الأمني والعسكري والانفاق على المليشيات قبل وبعد اتفاق جوبا الانهزامي الذي دشن إضافة الآلاف من طفيليات جديدة تقتات من ثدي الدولة المنهارة الذي جف من تكاثر الراضعين.
من الصعب وصف سياسة بصفة التقشف مع استمرار عجز الموازنة واستمرار التضخم وبقاء الدين العام على مستوياته ومساراته السابقة.
كل ما حدث هو تحويل الصرف الحكومي من خدمة المجتمع (على قلة ذلك) الي تمويل الجيوش والميليشيات والأجهزة القمعية والطفيليات البيروقراطية والمدنية المتنفذة.
ما تم تنفيذه من سياسات لا علاقة له بالتقشف الاقتصادي التقليدي ولم يكن أكثر من نهب طفيلي مسلح. والمحصلة النهائية هي ان تحمل الشعب قسوة التقشف ولم ير أي من إيجابياته الممكنة مثل انخفاض عجز الموازنة وهبوط التضخم وتراجع الدين العام.
ما تم تطبيقه من سياسات أسوأ من أي تقشف اقتصادي لذلك فان وصفها بالتقشف يعطيها إحترامية غير مستحقة.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …