
كارثة السيول: لغو الحكومة (2-2)
عبد الله علي إبراهيم:
قال مواطن متأثر بالسيول إن المواطن واجه الكارثة أعزلاً من الحكومة. ويعرض المقال للغو الحكومة قليلة الحيلة حيال هذه الكارثة. فهي تعلن المنطقة المتأثرة “مطقة كوارث” لغواً لأنه قول لا يتبعه فعل مترتب مما يستوجبه مثل هذا الإعلان. فخلت الحكومة من مؤسسة للإغاثة بمخزون استراتيجي لإسعاف المتأثرين. فسدت مسدها مصالح حكومية مثل شركة المعادن بتبرعات من مال عام كان أولى لو أودع أصلاً في مثل تلك المؤسسة. فإلى بقية المقال:
أما الاعتراض الجوهري على التبرع من الحكومة لسد مسد الكيان المؤسسي للطوارئ فجاء من جهة قانونية ما تقوم به شركة المعادن حيال الكارثة في غير ما اختصاص. فالشركة، حسب هذا الاعتراض، قامت لتنظيم انتاج الذهب ومراقبته. وعليه فهي غير مختصة حتى باستلام المال عن نشاطها إلا بواسطة أرانيك معروفة من وزارة المالية التي لها الولاية على المال العام. وعد المعترضون همة الشركة في اسعاف المنكوبين تجنيباً للمال العام يُبطل ولاية وزارة المالية عليه.
وفتح انفلات زمام الكارثة من يد الحكومة الباب لما لم نكن بحاجة له من دارج السياسة. فجنح النقاش في تفسير ما وقع في منطقة المناقل على النيل الأبيض بالذات إلى نظرية المؤامرة. فمن رأي بعضهم أن معدل الأمطار بالمنطقة كان طبيعياً. وما زاد الطين بلة (التورية غير مقصودة) في قولهم أن سلطات وزارة الري، عن قصد أو غير قصد، فتحت بوابات قناة مشروع المناقل من خزان سنار في غير ما وقت فغمرت المياه قنواته وترعه فوق طاقتها الاستيعابية. بل قيل إن وزير الري اعترف في كلام له بذلك ثم سحبه. واستعان معارضون لهذا الرأي بصور جوية لم ترصد أي تدفق غير عادي في قناة المناقل. وعزوا السيول لتدفق مياه المطر الاستثنائي من الهضبة التي تعلو المناقل والمواضع من حولها.
من جهة أخرى اشتبك أنصار ثورة ديسمبر، ممن تولوا الحكم الانتقالي حتى أزاحهم انقلاب أكتوبر 2021، وخصومهم في نقاش باللوم واللوم المضاد. فسارع خصوم الانقلاب الحاكم بتحميله الوز لإهماله الاستعداد لخريف أرهصت نذره بالخطر. أما خصوم الانتقالية فحملوها انسداد قنوات مشروع الجزيرة وامتداده في المناقل بالأطماء خلال سنوات حكمها الثلاث. وهو الانسداد الذي طفحت به السيول فخرّبت. وأرجع نقاد الانتقالية هذا الدمار إلى قرارات اتخذتها بشأن شركات كانت تعمل في إزالة الأطماء فعطلتها. فتراكمت وحدث ما حدث. وردت أطراف الانتقالية على نقادها بأن قراراتها تلك ردت للدولة آليات للحفر استولى عليها نافذون في النظام القديم بغير وجه حق. علاوة على أن الكارثة لم تقع لتراكم الأطماء وإنما من معدلات الأمطار الاستثنائية كما تقدم.
لقيت الحكومة الكارثة وهي صدفة فارغة من فرط عقود من التجريف والتجويف. فمن مظاهر تجويف الدولة صيرورتها عالة مطلقة لوارد الخارج متى ضربتها كارثة. ولا يفضح هذا النقص في دولتنا مثل مطالبة حزب معارض لإعلان البلاد “منطقة كوارث” لتنبيه العالم ليهب لنجدتنا. والأنكى أنه
لم تعد للحكومة سمعة حتى في توزيع ما سيجود به العالمين لسوء صيتها جراء شهرتها في الاعتداء على مساعدات العالم المالية والعينية. فكل عون من الخارج يجد كثيره سبيله إلى الأسواق بواسطة “المستثمرين في الأزمات” على حد قول أحد الصحفيات.
ولحق التجويف حتى بفكر الكارثة عندنا. فحتى التشخيص لوقوعها صار من المحفوظات الأولية لا نأخذ به ولا نمل تكراره. فلا أعرف عدد المرات عبر السنين الذي رددنا تواتر السيول المهلكة علينا لتشييد المواطنين منازلهم على مجاري السيول، أو انعدام البني التحتية، أو عدم توافر خرائط بمناطق الخطر، أو عدم تحديث وسائل الدفاع المدني. ففي هذا التشخيص صدى حرفي مما كُتب بعد سيول 1988 وفيضاناتها وما بعدها لعقود. ويبدو أن من يخرجون به كمن يؤدون دوراً في مسرحية معادة لا محللين.
ولأن الدولة لم تعد سوى صدفة فارغة ركبتها عادة “علوق الشدة” في قولنا. ونريد به أن تعلف ركوبتك مباشرة قبيل ركوبها. وهي مجاز سوداني في تدارك الأمر في الساعة الخامسة وعشرين أو قبلها بقليل. فمتى استمعت للفريق البرهان في لقاءاته بالمتأثرين ستجد فعل المستقبل غلب في خطابه للمتأثرين بالمحنة في مثل “سنوفر”، “سنعتني” “سنبني”. فلم يسبق خطابه إسعاف وصل للمضرورين من أي نوع ومقدار. فصرف خلال المخاطبة تعليمات مباشرة لمسؤولين في الدولة ممن حوله لتوفير غرض أو آخر لإسعاف المتأثرين. وتستغرب كيف لم يجتمع شمل هذه الجهات من قبل الواقعة لتلقاها بحزم. وصار قرار الدولة بتكوين “لجنة طوارئ” لتدارك المحنة هو عنوان الوجود الحكومي العاقب للمأساة. ولا يملك من يتأمل حال هذا الوجود للحكومة (لا وحدها التي على رأسها البرهان بل كمؤسسة سودانية) من الاقتناع بأنها لم تستعد أبداً للطوارئ مما هو خليق بأسرة ناهيك عن دولة فحسب، بل أن مفهوم الطوارئ نفسه طارئ عليها. فكل ما تعرفه الحكومة من فقه النوازل أنها ستعلف دابتها له في اليوم العاقب: علوق الشدة.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …