‫الرئيسية‬ آخر الأخبار إذا جاء يوم الأحد كان على رأس البرازيل عامل إن شاء الله
آخر الأخبار - أكتوبر 9, 2022

إذا جاء يوم الأحد كان على رأس البرازيل عامل إن شاء الله

عبد الله علي إبراهيم:

(هذه كلمة كتبتها في 2003 عن بشريات فوز ليوز إناشيو دي سيلفيا، مؤسس حزب العمال البرازيلي، في انتخابات الرئاسة في البرازيل. وفاز دي سليفيا وحكم حتى 2010. وتجرى المنافسة ليومنا هذا بينه وبين الرئيس الحالي للبرازيل جير بولسونار الشعبوي. وتقدم دي سليفيا على بولسنار في أول أكتوبر تقدماً لم يؤهله للفوز للوهلة الأولى. وستجري الإعادة في 30 أكتوبر. ونتفاءل إن شاء بفوزه بنشر هذا المقال القديم الذي لم يخيب توقعنا.
وكتبت المقال ضجراً بتكتيك الحرب المسلحة الذي نهض به معارضو الإنقاذ في دارفور مقتدين اعتباطاً بالحركة الشعبية لتحرير السودان. ورأينا في عقدين إلى ما انتهى بنا هذا التكتيك من خراب بلا نصر وحيد. وعرضت لسيرة دي سيلفيا عظة في الصبر على التغيير الاجتماعي والمصابرة ببناء حركات اجتماعية جماهيرية تمتحنها الجماهير في الفكر والممارسة وتمتحن هي نفسها وسطهم. وبالطبع كان يدور بخلدي وقتها شعارنا في الحزب الشيوعي: من الجماهير وإلى الجماهير نتعلم من الجماهير ونعلم الجماهير.
قال ليوز إناشيو دا سيلفا، الساير عليه لقب لولو، مرشح حزب العمال لإنتخابات الرئاسة في البرازيل، في خطاب ختم به حملته الإنتخابية: “إذا جاء يوم الأ حد [6 اكتوبر] فسيكون في سدة الحكم في هذا البلد الواسع عامل إن شاء الله. ” وهذا قول ثقيل كان من شأنه أن يثير ثائرة أمريكا على هذا الاشتراكي المحب لكاسترو. غير أن ذلك لم يحدث حتى الآن. بل كان ماصدر عنها في قول لسفيرتها في البرازيل شيقاً ورحيماً. فقد قالت دونا هيرناك، السفيرة وأبنة عامل صاهر للحديد من نواحي بتسبيرج، إن لولو يجسد الحلم الأمريكي. وجاء السادس من الشهر الجاري وحصل لولو علي دون نصف أصوات الناخبين بقليل مما أوجب إجراء الجولة الثانية المرسومة للإنتخابات بين المرشحين اللذين حازا على أعلي الأصوات ومنهم مرشح الحزب الحاكم الذي ساس البرازيل زمناً طويلاً. ويكاد يجزم المعلقون بأن فرصة لولو لتحقيق حلمه البرازيلي قد دنت وحان قطافها.
إن عبارة لولو لعبارة عذبة مما تعودناه من بلد السمبا من مثل نصرها المبين في كرة القدم الذي أثلج قلوب العالم الثالث المثخن بالهزائم حتى صارت فيه عادة. وأعجبني أنه لم يقل إنه سيكون على سدة البرازيل اشتراكي أو تقدمي أو ماشئت إذا جاء اليوم المضروب. فهذه أسماء تسميناها وأفسدناها بالمرة. والحمد لله. فقوله إنه عامل موعود بالرئاسة قد يرد إلي الصواب طائفة منا بدأت بعقيدة غراء حول مشروعية البرنامج التأريخي للسيادة السياسية للطبقة العاملة على أقدارها في أوطانها. ثم هجرت هذه الجماعة هذا المشروع بدعاو أن هذه الطبقة قد فقدت فحولتها المعروفة عنها على عهد الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر والتاسع عشر من جراء تسارع وتائر اطراد التكنلوجيا المستحدثة. وقنعوا من كل خير في عمال نهايات القرن العشرين ومابعده. وراحت هذه الفئة التي جحدت طلائعية العمال تنقب عن الثورية في النسوية او العنصرية. وهما بالطبع مستودعا خير ووعد وفير للتغيير الإجتماعي. غير أن وعد هذين الفئتين لن يكون بأفضل من الطبقة العاملة إذا تكاثر على نصرتهما فاسدو الذوق، والمستعجلون، ومن شحت نفوسهم.
لا أريد أن أحمل كلمة لولو فوق ما تحتمل فيظن الناس بي الظنون. فلست أريد “أن أري علياً في السحاب” فتضعف حجتي مثل راوية الحديث النبوي المنسوب للشيعة الذي استبعد أهل الحديث سنده لتطرفه في محبة الإمام كرم الله وجهه حتى راه بين الغمام. غير أن شواهد أخري تنهض منذ حين على أن حيوية الطبقة العاملة لم تخمد. والشواهد في الولايات المتحدة موحية. فقد صعد الي قيادة اتحاد العمال هنا السيد بول سويني بوجهه الصبيح الأبوي بوعد استرداد العمال الي فضاء التاثير الحي في السياسة عن طريق زيادة عضوية النقابات التي تناقصت كثيراً. وقد وقف منذ وقت قصير علي ركن شارع وول إستريت، الذي زكمت روائح فضائحه الأنوف، وشارع برود استريت، ليلقي على المسامع رأي العمال في بؤس النظام المالي الجديد الذي ظنه أهله نهاية التاريخ. وقد وصف هذا النظام كاتب في مجلة النيشن اليسارية بأن أساطينه قد تجردوا من الواعز الخلقي بتاتاً. واقترح الكاتب أن يعيد الناس قراءة ماركس وبلزاك ليقفوا من جديد على صورة عتاة الأغنياء كمجرمين في فاخر هندامهم وعالي جنابهم. فقد كانت تلك صورة الرأسمالي حتى عهد قريب بين الماركسيين وأهل العقائد الشعبوية حتى فدي الرأسماليون أنفسهم من البشاعة العالقة بهم بحر مالهم، وأسكتوا ناقديهم من بين الصفوة. ويمضي الكاتب ليقول إنه ينشا في ثنايا هذا التواطؤ جيل جديد من الأغنياء لم يسمع كلمة واحدة عن سفالة عشيره مما يعطيه شعوراً بالعصمة حتي يفسد في الأرض ويسقط من شاهق. كما نعي كاتب اخر لا يزعم نسبة الي اليسار هذا التواطؤ بقوله إن فضائح إنرون قد وفرت لليسار والناشطين الاجتماعيين سانحة أخذ الرأسمالية المبتذلة اخذاً شديداً لكنهم في البادي قد تقاصروا عن ذلك.
ولايبدوا أن العمال قد كفوا عن أخذ الراسمال مأخذاً شديداً. فقد نازعت نقابة عمال البحر والمخازن بموانئ الشاطئ الباسيفيكي اتحاد البحر الباسيفيكي، الذي يمثل أصحاب السفن وإدارات الموانئ، منذ أواخر الشهر الماضي نزاعاً أضطر معه الاتحاد لإغلاق قرابة ثلاثين ميناء من بينها سان فرانسيسكو في وجه العمال مما أدي الي تراص السفن في الموانئ تنتظر الشحن والتفريغ. وضج أهل الصناعات على مصائرهم، وأصبح أمر التجارة مع آسيا، التي عُدتها 300 مليار دولار، في أمر ضيق. واغلقت أو تراخت في الإنتاج منشآت انقطع عنها مدد قطع الغيار. وبكي البعض وأستبكي على أمن البلد من جراء هذا الشلل وهو على اهبة الاستعداد لحرب العراق. مع أن العمال قد تحوطوا لذلك وسمحوا لبعضهم تفريغ مهمات القوات المسلحة. واضطر الرئيس بوش لإستخدام سلطته، عبر المحاكم، لأمر الطرفين لمزاولة أعمالهم فوراً حتى تفصل في الأمر لجنة تحكيم معينة. ولم يقبل العمال بذلك لأنهم مبدئياً ضد قانون تافت-هارتلي الذي يخول الرئيس فض النزاعات العمالية على نحو ما رأينا. وقد تأخر بوش نوعاً ما في التدخل خشية إغضاب اتحاد العمال ذي الولاء المعروف للحزب الديقراطي والعام هنا عام انتخابات حرجة.
وقد نشا الخلأف بين عمال البحر واتحاد البحر الباسفيكي حول خطة الإتحاد لما سماه بتحديث آلية الشحن والتفريغ التي ظلت على حالها لعقود لا تأخذ من فيض التقدم التقني. وصور الإتحاد اعتراض النقابة على مترتبات التحديث، لا التحديث ذاته، بانه رجعية يخشى أهلها مما لا مهرب منه. والأمر خلاف ذلك. فقد قال العمال إنهم يرحبون بالحداثة وقد برهنوا على ذلك حين قبلوا بخاطر سمح إدخال نظام الحاويات منذ عام 1960 وهو قبول كلفهم نقص الأنفس إذ تدنى عددهم من 100 ألف الي 10 ألف بينما ضاعف من كفاءة الموانىء ثلاث أضعاف. وكل ماتريده النقابة هو أن لاتتوزع الشركات الوظائف التي ستأتي مع التحديث وان تبقي في نطاق عمال البحر. وتبرهن قضية عمال البحر الأمريكيين أن المسمى صراع الحداثة والتقليد (الرجعية) فيه وهم كثير وضلال بعيد. وغاية المسألة، في قول استاذ من جامعة كليفورنيا مناصر للعمال، إن الذي بين العمال والمخدمين ليس صراعاً بين الحداثة والتقليد وإنما هو اقتتال على من سيستأثر بخير الحداثة.
وتكذب نقابة عمال البحر كذلك من كتبوا نعياً مستعجلاً للحركة العمالية بوجوه كثيرة. فعمالها ليسوا على صورة العمال حتى عند اشطحنا خيالاً. فمن هؤلاء العمال من كتبة الميناء من يقبض أجراً يبلغ ال 150 ألف دولار وهو قريب مما يقبضه أطباء ميسورو الشهرة. وقد سئل، إستيف إستلون، المتحدث عن النقابة، عن هذه المفارقة. فصرفها كلغو قائلاً: ما الذي يحول بين العامل وبين أن يلقي أجره العادل من الثروة التي ساهم في صنعها؟ ومع ذلك فإن نصيب عمال البحر الكلي من عائد صناعة الشحن والتفريغ هو 5% فقط. وقد استسخف أستاذ جامعة كاليفورنيا من على التلفزيون إقامة المخدمين الأرض وإغلاق الموانئ وتوتير البلد لأجل حفنة دولارات.
ومن جهة أخري فقد إنشغل عمال البحر دائماً بمسألة وجودهم كجزء من المجتمع المدني بما تجاوز، ودعم في ذات الوقت، نزاعاتهم مع المخدمين. فقد رتبوا أنفسهم كجماعة لها آصرة إنسانية وثقي وحضور إنساني تاريخي في علاقة رأس المال والعمل المأجور. فقد أعدت النقابة منهجاً دراسياً يتلقاه كل عضو جديد فيها. وللنقابة عزة بإضرابها الطويل المشهور في 1971 الذي عادوا فيه، بعد إستخدام الرئيس نكسون قانون تافت-هارتلي، للإضراب لثمانين يوماً حسوما بعد ان اتضحت لهم سوء نية المخدمين. وقد ذكر هذا التاريخ ايسبيو باريز، الذي عمل في الموانىء لخمس وثلاثين عاماً، مؤخراً حين لم يستبشر خيراً لا بأمر بوش ولا بنية مفاوضي المخدمين. وقد فرض عمال البحر علي المخدمين يومي عطلة: يوم للاحتفال بميلاد هاري بريدجز، مؤسس النقابة الماركسي ويوم لتجديد ذكري الخميس الدامي من عام 1931 الذي استشهد فيه عاملان من عمال البحر. وهذه غريزة ثقافية مؤسسية غراء للبقاء في وجه الزلازل التي تغشي المستضعفين.
ترشح لولو مرات ثلاث للرئاسة مصابراً لم يدفعه السأم أو الخيبة الي اليأس في الديمقراطية بالانقلاب أو الهجرة الي الأدغال. وهذا حسن ظن جميل بالشعب وتربية للذات في مشاغل الناس لاريث ولاعجل. وبزوغ نجم لولو مؤشر على مردود الصبر. فقد عجم البرازيليون عوده وهم الآن بصدد جعل أمرهم له. فقد بات واضحاً أنه لم يعد بوسع الطبقة الحاكمة العتيقة في البرازيل ولا غيرها حتى التفكير في حكم صالح للبلد برغم دعوم وإسعافات دوائر المال العالمي والأمريكي التي طالت. وقد أعطت النييورك تايمز الضوء الأخضر لتغيير الحرس السياسي في البرازيل بوصف قرب لولو من سدة الرئاسة بأنه رسالة غير مستورة عن ضيق البرازيليين بالطبقة الحاكمة، التي جثمت على صدورهم ل 113 عاماً بين حكم عسكري ومدني، ومثلت مصالح الجزء الجنوبي من القطر. وطلبت الجريدة من الحكومة الأمريكية أن تقبل حقيقة التغيبر القادم في البرازيل على علاته. وطمأنتها أن لولو قد عركته الدنيا فأصبح أملاً لغمار الناس في البلد. وقد عرك السياسة فخخفت من غلواء عقائده القديمة. وسيكون في تسليم الإدارة الأمريكية بحقيقة التغيير في البرازيل تصديقا لنبؤة انتوني مازوشي، مؤسس حزب العمال الأمريكي المغمور الذي توفي في الإسبوع الماضي. فقد قال الرجل:” سيكون بوسع المرء احداث تغير اجتماعي مرموق حين يبني حركة إجتماعية واسعة من الجذور بغض النظر عن الحكم القائم في البيت الأبيض.” لو مد الله في أيام هذا النقابي العجوز لرأي، إن شاء الله، كلماته تتجسد في ظفر لولو، الذي سهر على بناء حركة واسعة للتغيير الاجتماعي، بالثمرة الممتنعة على المستضعفين جميعاً: سدة الحكم.

‫شاهد أيضًا‬

الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش

كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …