‫الرئيسية‬ آخر الأخبار سلطة الشعب وسلطة القهر
آخر الأخبار - أكتوبر 9, 2022

سلطة الشعب وسلطة القهر

خالد فضل:

في الأخبار أنّ العشرات من لجان المقاومة قد وقّعت على ميثاق سلطة الشعب الذي قدّمته لجان مقاومة الخرطوم قبل بضعة شهور، وقد تسنى لي الإطلاع عليه في حينه، وهو شأنه شأن مئات المواثيق والإعلانات والعهود والاتفاقات السودانية السودانية؛ جيّد المحتوى بصورة عامة، طموح ونموذجي، مع بعض الملاحظات هنا وهناك بالطبع، لكن تظل المعضلة دوماً في نقطتين أساسيتين في تقديري، هما: مدى الجدية والإلتزام من جانب الموقعين والمتعاهدين من جانب، وتنفيذ ما يتم الاتفاق حوله من جانب آخر.

هاتان هما المعضلتان الرئيستان اللتان تلازمان العهود السودانية؛ لدرجة أنّ مولانا أبيل ألير كان قد نشر كتاباً بعنوان السودان نقض العهود والمواثيق، وهو كتاب نشر قبل عقود ولابد أنّ كاتبه كان سيضيف مئات الصفحات لسفره ذاك إن سعى لتقديم نسخة جديدة ومنقحة منه.

ثم هناك تباين في الرأي بين بعض اللجان حول نقطتين في الميثاق، ونقطة أخرى إجرائية؛ النقطتان هما إلغاء الوثيقة الدستورية وإلغاء إتفاق سلام جوبا، أمّا النقطة الإجرائية فتتعلّق بكيفية التوقيع على الميثاق.

في موضوع الإلغاء، نجد أنّ البندين المشار إليهما في خانة الإلغاء عملياً تنطبق عليهما ما أوردناه في مفتتح المقال عن العهود والمواثيق السودانية، الأطراف الموقعة على الوثيقة الدستورية، انقلب الطرف العسكري على الطرف المدني، زجّ بالموقعين معه على الوثيقة في السجون والمعتقلات، وطفق يبحث بعد ذلك عن تهم جنائية يوجهها لهم، فلما فشل وتحت الضغط الشعبي والدولي رضخ وأطلق سراحهم كأن لم يحدث شئ، إذاً تلك الوثيقة قد تم تمزيقها فعلياً في يوم 25 أكتوبر من العام الفائت، وإذا ورد نص في الميثاق المطروح يشير إليها فلا يعدو أن يكون تحصيل حاصل، اللهم إلّا في حالة وجود من يظن أنّ تلك الوثيقة ما تزال تصلح مع النقض البائن الذي حاق بها، وقطعاً أمثال هؤلاء لا يمكن تصوّر دعوتهم للتوقيع على ميثاق لسلطة الشعب.

أما سلام جوبا فيكفي أن مساراته كلها مجمّدة بل أكثر من ذلك شهد شرق السودان إغلاقاً كاملاً للميناء بدعوى إلغائه ضمن مطالب أخرى تذرّع بها الناظر ترك في إطار مخطط الفلول للعودة للحكم، وقد اكتمل المخطط بانقلاب 25 اكتوبر 2021م، وكل المؤشرات تشير إلى قرب الإعلان الرسمي والصريح عن هذه العودة، فهل من عصمة لإتفاق فتح المجال ومهّد الطريق لعودة النظام المباد؟؟ ناهيك عن تصريحات الموقعين أنفسهم في الذكرى الثانية لتوقيعه، فبعضهم يصفه بأنّه في غرفة الإنعاش، وآخرون يصفونه بالمجمّد، وتقارير بعض المراكز البحثية الخارجية تشير إلى أنّ غالبية بنوده لم تتقدم شبراً واحداً لجهة التنفيذ، هناك خلل بائن في ذاك الإتفاق، وإذا حدث نقاش حول هذا البند تحديداً يمكن أن يصار إلى صيغة تشير إلى تعديل الإتفاق وتقويمه كحد أدنى.

أمّا البند الإجرائي المتعلّق بكيفية التوقيع والتي تحدّدت بأن توقع الأحزاب السياسية الراغبة بصفتها الاعتبارية وليس عبر أي تكتلات أو تحالفات، فهذه صيغة جيّدة، وحتى لا يحدث ما حدث في التوقيع على إعلان الحرية والتغيير، حيث وقعّت الكتل الخمس المعروفة عليه وفي جوف كل واحدة مجموعة منظمات مدنية وبعض الحركات التي كانت تحمل صفة (مسلحة) في إقليم دارفور، وهي ذات الحركات التي عادت للخرطوم عبر الإتفاق المعطوب (الراقد في غرفة الإنعاش)، وسميت بقوى الكفاح المسلح ضمن أدبيات الثورة المجيدة بعد أن كانت صفتها (التمرد، الخوارج، قطاع الطرق، المرتزقة، العملاء، الخونة، صنائع الغرب… إلخ)، ولكن هل ردّت هذه الحركات التحية للثورة والثوار؟ هذا ما بات معلوماً للجميع ولا يحتاج إلى تكرار، فهل يصار مرّة أخرى لتكرار نفس تجربة قوى إعلان الحرية والتغيير فيؤخذ الجاد بجريرة الهازل، والثائر بوزر المرتزق، والوطني الغيور برجس المتآمر الخائن؟ أم من الأفضل بالفعل أن يؤخذ كل تنظيم بحسناته إن أحسن وبأوزاره إن نكص، والسبيل لفرز المواقف هو التوقيع المنفرد لكل تنظيم، وأعتقد أنّ الثوار في مركزية قوى الحرية والتغيير يتفهّمون هذه الخطوة الإجرائية طالما رأوا في الميثاق ما يستحق التبني، وبالتالي توقع عليه كل تنظيمات المجلس المركزي بصفتها الفردية وهذا لا يقدح في استمرار تحالفهم.

إنّ ميثاق سلطة الشعب يضع سلطة القهر في مواجهة الحقيقة، فإما السير على خطى بعث نظام الفلول وإحياء العظام وهي رميم، وهيهات هيهات، أو الرضوخ لسلطة الشعب وثورته وهو ما سيحدث شاء المستبدون أو أبوا، فما من باطش قاتل جبار بمستطيع الوقوف أمام إرادة شعب يريد الحياة الحرة الكريمة حياة الحرية والسلام والعدالة.

المجد للشهداء الأبرار، وتبرئة المتهمين بقتلهم لا تعني قفل الملف، لابد من المحاسبة والعدالة والإنصاف مهما تعثّر المسير، والفجر آتٍ آتٍ آت. لن تحجبه الغيوم ..!!

‫شاهد أيضًا‬

الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش

كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …