يا زمن وقف شوية

ناهد قرناص:

استراحة الجمعة
(اذا أردت ان تعرف قيمة الدقيقة ..أسال شخص فاته القطار) ..لا أذكر أين قرات هذا الكلام ولكني تبينته فعلا ..فقد فاتني القطار الذي يذهب لموقع وكالة الطاقة الذرية في العاصمة النمساوية . وصلت الى الرصيف وانا اكاد التقط انفاسي ..فاذا بي اراه يولى مسرعا وكما يقول ذلك الشاعر (هيهات هيهات لا جن ولا سحرة بقادرين على ان يلحقوا أثره)…

الشئ الغريب انه كان يتحدث عن قطار البخار ولم يسمع بالنمساوي بعد. التأخر دقيقة معناها ان يفوتك القطار فتضطر الى الانتظار (خمس دقائق اخرى) لاخذ القطار التالي .. ..ولكن هذا يعني تاخير ما لايقل عن خمس عشرة دقيقة قبل الوصول الى مكان الاجتماع الذي عندما تصله متهللا فرحا بوصولك ..تجد ان الحميع ينظر اليك متجهما ..فقد ارتكبت جريمة كبرى ..هي التاخر حوالى النصف ساعة من الزمن .

لا احد يتاخر هنا ..لماذا؟ ببساطة لان الزمن له قيمته..فقد اكتشفت ان هؤلاء الناس المتواجدين باوربا والدول المتقدمة ..فقراء جدا ولا يملكون الوقت. يسرعون الخطى في جميع الاتجاهات ..حتى انهم لا يجدون وقتا للأشياء المهمة كالونسة وشراب الشاي والقهوة واذا سالت احدهم اي سؤال ..اجابك بالالمانية (ايش هاب كاينا زايت)..ويعني (لا وقت لدي).

والله كان عارفة كدي ..كان جبت ليكم شوية وقت معاي من الخرطوم ..بقجة بقجتين ..وافرش في السوق المحلي بتاع فيينا ..وأبدأ عملية البيع ..علينا جاي ..جبنا بالطيارة وبعنا بالخسارة ..تعالوا اشتروا ال(دقيقة) و الدقيقة وما ادراك ما الدقيقة ….تلك العبارة التي نقولها لأي شخص يسألنا اجراء او عملية لا تستغرق جزء من الثانية ……يمكنها ان تمتد لساعات …وساعات..وساعات …

تعالوا اشتروا ..(تعال لينا بكرة) هذه العبارة التي نقولها للتسويف ولا نعني بالضرورة (بكرة) ..فقط نريد ذلك الشخص ان (يغرب عن وجهنا) ولهذه العبارة خاصية التجديد الى ما لا نهاية ..كل يوم (تعال لينا بكرة) وهكذا دواليك الى ان يموت البعير او الغفير او الامير …..اما عبارة (تم التاجيل الى اجل غير مسمى) فهذه لن أقبل فيها الا باعلى سعر فهي لا تمنح الا لشعوب العالم الثالث ..والذين يرزحون تحت شعار غيب وتعال تلقانا نحن يانا نحن.
كذلك فكرت جادة في عمل (تحويل رصيد للوقت) للجماعة (النمساب) نسبة لاسم بلادهم النمسا ..فقد لاحظت كم الاجازات التي ننعم بها وقد حرموا منها (يا ولداه ) تخيلوا هؤلاء الفقراء لا ينعمون باجازة الا (اسبوعين في العام) فقط لا غير …ويتم التنسيق لها منذ بداية السنة حتى لا تتعارض مع اجازة زميل اخر فيخلو المكتب من الموظفين !!!!…والله حنيت عليهم ..وقت مافي عندهم للاجازة لمان يبخلوا بيها على الناس كدي؟؟ ..

بري يا يمة بعيد عن السامعين ..نحن عندنا الاجازة الماخمج ..خمسة واربعين يوم في عين العدو ..غير الاجازة المحلية والعرضية والارنيك المرضي والاذونات . الشئ المضحك انني تذكرت تلك الاغنية التي تقول (يا زمن وقف شوية ..واهدي لي لحظات هنية ) ..لا ادرى هل حصل ذلك الشاعر على مبتغاه من الهناء ؟؟ ولكني اعرف ان دعوته قد استجيبت وان الزمن قد توقف عندنا ورفض الذهاب الى مكان اخر فتكاثر حتى صارت تتملكنا الدهشة من ذلك الذي يقول (لا وقت عندي)..فليس هناك اكثر من الوقت عندنا ..حتى اصبحنا نبحث عن أشياء (نقطع بها الوقت).

أين نمضي جل وقتنا؟؟ ..الاجابة اتت من مسجل ادم الذي افتقدته كثيرا …فقد كان يغني (نجمة نجمة الليل نعده… والسنين يا حليلنا عدوا) اتضح اننا نقضى الوقت في عد النجوم ومن ثم نتساءل بعد ذلك بكل براءة ( العمر من وين يشتروهوا )؟