‫الرئيسية‬ آخر الأخبار قصة معركتي مع السرطان.. الحلقة الثانية
آخر الأخبار - ديسمبر 26, 2022

قصة معركتي مع السرطان.. الحلقة الثانية

حليمة عبد الرحمن:

ذهبت لمقابلة الاستشاري الكبير بامدرمان في عيادته. رحب بي بحرارة، ثم سألني ماذا بي؟ فبدأت احكي:
– يا دكتور انا عندي اعراض اتنين مختلفات، واحدة اعراض ملاريا(طبعا كعادة معظكم السودايين شغالين دكاترة من منازلهم،هههههه) وهي ارهاق ماطبيعي، حمى، بالذات بالليل، وعرق، وعدم رغبة في الاكل، وإلخ، دي خليها جانبا، نبدأ في التانية، كانت على وجه الطبيب الصديق شبح ابتسامة لطيفة: عندي خسارة وزن متوصلة من غير حمية غذائية او رياضة، استفراغ يومي، مافي شئ بيستقر في بطني، بالاضافة للارهاق الذكرته قبيل، ارهاق حاد غير متبوع بوجع مفاصل، اصبح المشي من بيتي الى بيت نسابتي مرهق جدا.

– كان يعلم موقع منزلي حينما ذكرته له، فاتح في خور ابوعنجة، وموقع بيت نسابتي الفاتح في سوق وحديقة الموردة. لن انسى تلك المسحة الجادة التي اكتست وجهه، غير انه اخفاها سريعا وجس على بطني كما فعل الطبيبان الاخران، ثم قال بطنك مافيها حاجة خطيرة لكن عشان نطمئن امشي مستشفى فضيل او رويال كير اعملي منظار وارجعي لي بالنتيجة، وان شاء يكون خير.
في اليوم التالي ذهبت الى مستشفى فضيل. مستشفى يعجب. مجهز باحدث المعدات الطبية والكوادر الطبية العالية التأهيل. خلصت اجراءات التسجيل والرسوم وطلب مني الحضور في اليوم التالي صائمة.

لو اجرينا مقارنة سريعة بين اجراءات الاشعة المقطعية هنا في القاهرة وفي مستشفى فضيل لكانت على النحو التالي: في مستشفى فضيل طلبوا مني شراء زجاجات المياه التي يضعونها فيها المادة الصبغية لاشربها قبل الفحص الاسكاني، طوالي بتاع البوفيه مد لي زجاجات المياه قائلاً: عند اشعة.. في القاهرة المياه جاهزة ومحقونة بالمادة الصبغية يناولونك لها من الاستقبال مع ارشادات الاستعمال.

في القاهرة اعطوني حقنة مضادة للاستفراغ قبل اجراء الاشعة، خاصة وان المادة الصبغية المحقونة عبر الاوردة ساخنة جدا، ويحس المريض بأن معدته وصلت حلقه. في فضيل لم يعطوني تلك الحقنة فصرخت اثناء التصوير المقطعي اديتوني شنو ؟ انا عايزة اطرش. جيب الجردل جيب الجردل، يقصون الجردل للاستفراغ، فاوقف التصوير، فقطعت الكهرباء، لكن كما اسلفت امكانيات المستشفى عالية، في الحال المولد الكهربائي اشتغل.

مستشفى بتلك الفخامة والاعداد الجيد، ماذا لو جعل حقنة الاستفراغ وزجاجات المياه مضمنة ضمن الفاتورة ورَيَّح المرضى واهلهم من المساسقة بين البوفيه خارج المستشفى والصعود الى اعلى او الذهاب الى اسفل، ايا كان موقع الاشعة؟ بس ياهو ده السودان، دائما يفتقد اللمسات الاخيرة التكميلية.

حضرت صباح اليوم التالي وحدي للمنظار، واعطيت جوالي الى الطاقم الطبي وطلبت منهم اعطائي نسخة مصورة من العملية ، فوافقوا مشكورين. سارفقها لاحقا. سلموني جوالي وطوالي جريت على فيدو المنظار، تأكد لدي ان هناك اشياء غريبة او اورام صغيرة زي لوبيا او فاصوليا الجروف ملتصقة بجدار المعدة و محاطة بطبقة من المخاط. سألت الطبيب الذي سلمني العينة وطلب مني اخذها للمختبر: يا دكتور هل هل هو بيناين(Benign)? تعمدت ان لا أشير الى كلمة ورم. رد دون انتباه منه: لا. ثم فجأة انتبه، اسمعي ما عارفين بس كتير..كتير..شيلي العينة وديها المختبر، حافظي عليها شديد.. ثم يبدو انه انتبه الى انني وحدي..معاك منو؟ ما معاي زول، لا ما بنسيبك تمشي براك، اضربي لاهلك يجوك. ضربت لابني وبنتي فحضرا واخذاني الى المنزل، مع انه كان في استطاعتي الذهاب وحدي.

في انتظار النتيجة، كان ذلك اسوأ اسبوع اعيشه، متنازعة بين الامل والرجاء والخوف والقلق، إن كان وجود شقيقتي الوحيدة ليلى معي، والتي حضرت حالما عرفت انني اجريت عملية منظار.اهل يوم النتيجة المرجوة، فذهبت معي الى المستشفى وانتظرتني في الدور الارضي. اخذ البحث عن النتيجة التي لم تكم آنذاك بحوزة الاستقبال، وقتا ثم سلمت لي. في تلك اللحظات بالذات سمعت هاتفا يقول لي سرطان. بحثت عن اقرب كنبة جلست عليها، ثم فتحت التقرير، كانت عيوني تمسح سطور التقرير مسحاً بحثا عن كلمة Tumour او ورم، وويبدو انني كنت ادعو الله بصوت عالي: يارب benign ما malignant tumour
فحاولت سيدة كبيرة في السن، جلست الى جانبها، لفت انتباهي: يا بتي مالك بتدعي بالعربي والانجليزي؟ فرفعت سبابتي الى اعلى دون النظر اليها ورددت جملة من كلمتين: هو عارفني، اعني الله عارفني بقول في شنو! لحظات بدأت لي كأنها دهر بينما بصري يقفز بين السطور. طق وقعت عيني في كلمة ورم غير حميد malignant tumour.
في لحظة فارقة من الزمن أول كلمة جاءت في فمي ونطقتها: الحمد لله. هل فكرت فيها؟ ابدأ. كيف نطقتها؟ مسموعة للآخرين ام في حوار داخلي مع ذاتي؟ هل هي احدى تمظهرات الصدمة؟ ربما؟ هل انا في الارض ام السماء ام معلقة بين الاتنين؟ وهل بتفرق حينها؟ هل اختزنت مشهد الحمد لاحد الاقارب وقد فارق ابناً او اخاً او اباً او اماً فحمد الله حينها على مصيبته؟ ربما. المهم لم اهتم حينها بهذه التساؤلات التي لم تطرأ علي حينها. شملني هدوء داخلي عجيب ومحايد فصل بيني وبين وضعي الراهن، فصرت اتصرف بطريقة آلية. صورت النتيجة وارسلتها الى واتساب مصدق في السعودية، فرد علي: انا في الحلاق، النتيجة فيها شنو؟
سرطان! كان ردي.
اختي الموجودة في الدور الارضي سألتني تلفونيا: يا حليمة النتيجة لسة؟ لا طلعت؟ اها خير؟ كعبة، سرطان. بجيك الان تحت . ردي على اختي كان يدل على استيعابي الذهني للحاصل..لكن لا مشاعر لي تجاهه: لا حزن، لا زعل، لا خوف، لا ألم. لم انهار ولم ابك، كنت مجرد واحدة شائلة نتيجة سيئة لمرض استنزافي كريه، كأنه لا يخصها، وانما يخص انسانة اخرى. وجدتها منهارة، اقترحت عليها ان اشتري لها فطورا فهزت رأسها بالرفض. رجعنا البيت. سألني خالد ابني: خير، قلت له سرطان. قرأت الدهشة في عيونه فناولته التقرير، قرأه وارجعه لي دون كلمة ثم دخل غرفته. جاءت ابنتي رويدا متسائلة: أها قالوا شنو؟ نفس الرد: سرطان. Are you kidding me?
هاك. ناولتها التقرير. رغم علمي التام انها ل تفهم كلمة من مصطلحاته الطبية، لكن كان غرضي ان ترى صدقية كلامي. انهارت.
امي واخواني كانوا منتظرين النتيجة في الجبل. طبعا الخبر الشين ما بندسا. ومن ان يتأخر تفاعل الناس معه فأعرف ان راسهم ضارب وما عارفين يتفاعلوا معاك كيف. المهم جاءني اتصال تاني يوم من بنات خيلاني انهن في طريقهن الي في امدرمان. طوالي ثبتهن. زول يجيني مافي، انا بعمل في اجراءات سفري، لما اخلص بجيكم اودعكم، وجودكن معاي بيعطلني وانا الدكتور قال اسافر سريع.
ذهبت للطبيب بنتيجة الاشعة المقطعية، اصلا هو عرف النتيجة سلفا، لان زوجي كان قد ارسل له التقرير. فنصحني بسرعة السفر الى مصر.

نقف هنا ونواصل في الحلقة الثالثة

‫شاهد أيضًا‬

الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش

كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …