سُوبرَانُو القيامة.. عندما تصير المخيلة واقعاً
يضع الروائي الجنوب سوداني، آرثر غابرييل ياك، قراء روايته سوبرانو القيامة، المطلعين على الأوضاع في جمهورية جنوب السودان، أمام حالة تتراوح بين الخيال والواقع، ففي سياق العمل الفني، شيّد ياك عالماً روائياً مليئاً بالزخم الجمالي والأدبي، موقعاً بقارئه في أتون سرد وحكاية زاخرة بالشخصيات الملهمة المكتملة النضج.
لكن الواقع في الرواية يقفز بشدة إلى مخيلة القاريء، ويمتص منها الإسقاطات التي يمور بها الواقع، مشوشاً على الذاكرة، ما إذا كان الزعيم الذي بعثته الرواية إلى الحياة، ليعيد ترتيب الروح الجنوبية التي مزقتها الحرب الأهلية، بأيدي رفقائه، قد عاد حقاً للحياة!.
تراوح سوبرانو القيامة، الصادرة عن دار مسكيلياني في تونس، 2019، مكانها بين المخيلة والواقع، لكنها في الوقت نفسه، تتوغل في الأساطير المحلية، بخاصة المتعلقة بعودة الموتى إلى الحياة، غير أنها وظّفت تلك العودة، لبث الأمل وإعادة صياغة الواقع وفقاً لمحاسبات صارمة تُسائل قادة الدولة الوليدة، داخل الرواية بالطبع، على تلك الفوضى الضاربة التي تركوا فيها الشعب الجنوب سوداني يقاسي من ويلاتها.
تحمل المكان في الرواية، سيلاً من الأحداث الضخمة والمثيرة والتي وقعت في الزمن الروائي نفسه، فضريح الزعيم وشارع فيسبوك، أفسحا الطريق، لنسج القصة المركزية للرواية بشخصياتها البارزة، التي تعيش في عوالم مختلفة نفسياً وروحياً، لكنها تتشارك المكان وتتبادل القصص نفسها، غير أن لكل سرديته المغايرة في الحياة.
تتفجر الأحداث في الرواية وتتشابك بقيامة الزعيم التي كان “أجانق” شاهدها الوحيد، وتلك كانت المركزية التي فككت وفضحت مفهوم السُّلطة عندما لا يستند إلا على شتات فكري، وتصوغ العرقية فيه والجهل، خطوطها العامة.
لقد عاد الزعيم للحياة، ليحكي قصة موته وكيف وقع وبيد من؟، لكن عودته في الواقع هزّت تلك السُّلطة التي قامت على عجل، بنسيان كل شيء، بما فيها حرب التحرير، للتفرغ للعيش كطبقة ثرية تؤمن بأن الاستقلال هو تلك الرفاهية المنغمسة فيها.
لم تقف الرواية عند قيامة الزعيم بجوبا، بل إنها مضت للخرطوم، لترى كيف أن سُّلطتها ليست سوى تلك التي قام الزعيم من موته لبعثها في ثوبها الحقيقي أو المفترض، بل إنها وجدت من الشبه ما بين السُّلطتين، ما ينبيء بالحاجة إلى قيامة زعيم آخر بالخرطوم، ليهز حكامها الراكدون في مستنقع الفساد.
لم ينسَ العمل الغارق في جماليته وخصوصيته، التقاط سلوك الإنسان سواء أكان حاكماً أو يمشي ثملاً في شارع فيسبوك، وهنا جسدت شخصية الرئيس وزوجته وأولئك الأنبياء الذين نبتوا على عجل من تربة الزعيم، في محاولة اللحاق بالأحداث والتكسب منها.
إذ عرّت سوبرانو القيامة تلك الشخصيات الحكومية الهزيلة، فإنها أطلعتنا على ذلك الكم الهائل من غنى الشخصية وثرائها الروحي والإنساني، في الحياة العادية، وتلك المطلوبات المحدودة والمشروعة التي يريدها الغالبية من الناس للعيش في سلام.
تنوّه الرواية الغنية فنياً ومعرفياً، بتلك الضجة، التي تفتعلها السُّلطة الفقيرة حول نفسها، لتبقى فيها للأبد، وإن كان ذلك على حساب آخر قطرة دم.
تكشف سوبرانو القيامة، عن أن اللغة والمهارة الروائية الحاذقة بإمكانها التعبير عن الواقع والخيال، وأعقد المشاعر الإنسانية، بجملة قصيرة هنا، ووصف مطول هناك، وحادثات إنسانية لا تنفك أن تقع، حيث لا أحد بإمكانه الحيلولة دون ذلك، لكن بالإمكان إعادة خلق الحلم لتعود الحياة تتدفق بخيرها العميم على الجميع.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …