تراءى لي في المنام بأني أصبحت مديراً للتلفزيون
د. مجدي إسحق
أي حلم جميل طاف بالأمس خيالي، فأشعرني بحلاوة الثورة وحزنت على استيقاظي لأواجه واقع تلفزيوننا الكئيب.
ابتداءً يجب أن أوكد بأنني قد نمت خفيفا فلم يكن كابوسا ولا هذيانا من أثار حمى ولا من بقايا ابنة الكرم التي لم تتقاطع مع دروبنا ولم تخالط عقولنا.. وثانياً لم تكن أحلام يقظة في تقلد هذا المنصب حيث لم يخطر على بالي أو خاطري فأنا علاقتي بالفن والإبداع مثل علاقة خالتي حاجة التومة باللغة الهيرغلوفية.
وفي المرة الوحيده التي حاولت ان أنضم لقبيلة الفن والإبداع كتبت قصيدة رائية لها جرس كنت حبيسا فتفتقت مشاعري.. وحملتها للحاضر الغائب عزيزنا خالد الكد فقرأها ونظر لي من تحت نظارته (في زول قرأ القصيدة غيري؟؟ ) فأجبته بالنفي.. وقال(الحمد لله ربنا حفظهم ).. ونظر للسماء وبدأ بالدعاء ( يا ربنا لطفك.. نحن عملنا شنو..تحكمنا الإنقاذ.. ومسجونين في شالا.. وسخانة شهر خمسه.. ومافي كهرباء.. وبعد ده كمان.. مجدي عاوز يعمل شاعر)..فلم انتظر وتحركت سريعا وكانت آخر محاولاتي الإقتراب من قبيلة الفن والإبداع، لذا كان حلما غير متوقع، لكنه كان سياحة ساحرة جعلت من ليلتي مهرجانا تمنيت الا أصحى منه.
بدأ الحلم وأنا أرى نفسي في مكتب مترامي الأطراف ومجموعة من السكرتارية تتسابق في ودي وكل يخاطبني بسعادة المدير وحينها جاءني إلهام وعلمت إنه قد تم تعييني مديرا للتلفزيون.. فتحركت ومن خلفي جيش من الهتيفة ودخلنا الغرفة الأولى ومكتوب عليها غرفة الأخبار.. ولا أدري كيف نزل وحي الثورة على لساني فأصدرت أوامري:
- ما عاوزين تاني أخبار القراية من الورقة.. الباهتة.. التي ليس فيها لقاء ولا تقرير ولا حوار.
- ممنوع أخبار سافر فلان ورجع علان لأرض الوطن.. وما عاوزين افتتحوا شفخانة في كادقلي ومزيرة في شنقلي طوبايه.
- عاوزين أخبار الشارع وأخبار الناس العرقهم بيضوي وفضح معاناتهم من مواصلات.. ووقود وخبز وكهرباء.
وزمجرت وأنا في الباب لو بعد أسبوع ما اتغير الحال فلتبحثوا لكم عن وظائف أخرى، ومن طرف خرفي رأيت العرق يتصبب بين طبقات المكياج وخصلات الشعر المموجة.
خرجت لا ألوي لأجد أمامي مكتب قسم التحقيقات لتزداد ضربات قلبي غضباً.. وكم فوجئ بدخولي ثلة منهم وهم جالسون يتوسطهم صحن لم أر محتواه لكن أياديهم كلها في داخله كمن يؤدون القسم، ومع دخولي انفضوا من حوله ولم أرد السلام بل أخبرتهم بأنهم جميعا قدتم نقلهم لقسم الأرشيف، وسمعت أحد يهتف مدنياااووو، وحين كنت أفكر في تعيين بدائل لهم وجدت أمامي فجأة عشرين شاب وشابة في عمر الزهور قالوا لي نحن أسود البراري في خدمتكم فبماذا تأمر يا مولاي.. وأنا أهتز طربا أصدرت أوامري بتوزيعهم لثلاث وحدات.
- فريق تحقيقات المعاناة اليومية وصوت الشعب الباحث عن إجابة.
- فريق تحقيقات الفساد والأموال المنهوبة وسيف الشعب الذي يحاصر الفساد من هيثرو إلى النقل النهري ومكاتب الوالي الهارب.
- فريق تحقيقات انتهاكات حقوق الإنسان وأمرته أن يدخل بيوت الأشباح وقرى دارفور المحرقة وأطفال يعيشون في الكهوف خوفا من محارق الانتينوف.
وطالبتهم أن يخرجوا للشارع الآن بلا إبطاء ينقلون الأحداث يفتحون الملفات يسلطون الضوء على كل مجاهل الدولة العميقة وفضح مفاسدها للناس، فلا يتركون بابا لا يفتح ولا مسئولا بدون الوصول إليه ولم أنتظر ردهم ففي دواخلي كنت أعلم أنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ودلفت على غرفة مهترئة مكتوب عليها الثقافة، بها كرسي متهالك وفيه رجل في غفوته فلم أوقظه وتركته في سباته وخاطبت سكرتاريتي بأني أريد ان يجد كل شخص سوداني في التلفزيون نفسه عاداته وتقاليده نمط حياته إبداعه من الانقسنا إلى طوكر ومليط وأبو جبيهة إلى الباوقة أين إبداع الشباب أين جداريات القيادة.. أين التوثيق لإبداع التشكيلين عن الثورة.. لأسمع سمعا وطاعة.
وخرجت وأنا أزبد من الغضب.. لأجد أمامي استديو يصدر منه صرير وأصوات نشاز تستجير من جدب إبداعها بأغاني القدامى تشويها وتجريحا.. فسألت أين الشرفاء الذين قاطعوا التلفزيون أيام عهود التيه هل احتفلنا بهم أين أبو عركي.. أين التوثيق لمحجوب شريف وحميد أين أزهري محمد علي أين إبداع الشباب الذي غنى للثورة.. أين هم.. أين شعاراتهم.. شعرهم وغنائهم؟.
وفي ركن مظلم وجدت قسم الأطفال والشباب واستبد بي الطرب وأصبحت أدندن معهم (ياها دنيتنا الجميلة) وذكريات فيل فجلست في الأرض وتساءلت اين برامج التوعيه للشباب عن المدنية وقيم الحرية والديمقراطية والمساواة والتنوع، فلنبدأ ببرنامج نسميه برلمان الشباب نضع قياداتنا في الكرسي الساخن أمام قادة المستقبل للإجابة على تساؤلاتهم.
وتساءلت أين التوثيق لإبداع هذا الجيل.. وكيف صنعوا الثورة وكيفوا صنعوا مدينة الأحلام بثقافتها وتقاليدها وفنونها.. أين التوثيق لمدينة الأمل والجمال.. مدينة الاعتصام…أين التوثيق للمفقودين ووجوههم النضرة تزين الشاشة ونحن نبحث عنهم وعن مصيرهم؟.
وتسارعت خطاي على سيارات البث الخارجي وكم كنت حاسما بأني لا أريد مشاهدتهم في فناء التلفزيون ثانية فليذهبوا وليرابطوا أمام مجلس الوزراء وفي مرافق الدولة لينقلوا لنا الأحداث وهي تطبخ على نار هادئة وليحاصروا المسئولين عندما لا يجدون إجابات لأسئلة شعبنا الصابر.
فجأة… انطفأ الحلم وأسمع صوت زوجتي… عن تأخري عن العمل ويدها تهزني وأنا متثشبث بالحلم أضغط على عيوني للعودة ويدي لا تريد أن تطلق سراح مخدتي ولكن هيهات فعلمت إنه الواقع وشمس الصباح وانتهاء الحلم.. ورفضت أن أفتح أعيني وصارعت الذاكرة المتعبة بحثاً عن ملامح الوجوه التي كنت أصارعها في الحلم وتلقت مخدتي المسكينة عنفي وضربي فيا ربي من هم؟؟؟
هل كانوا شرذمة ساحات الفداء… أم الخبراء الإعلاميين المزعومين أم حارقي البخور وأدعياء الثقافة والمعرفة؟.
قمت متثاقلا وفي البال أن أعيش الحلم وأن أكتبه ربما يراه البزعي أو الجوخ فيبثون فيه الروح لينتفض ويزدهر من مجرد أضغاث أحلام ليصبح حقيقة.. هي أحلامي المتواضعة مقسما انه ليس لي في المنصب من رغبة وإنما هي أحلام اليقظة عشعشت في عقلي الباطني فخرجت أحلاما أعلم إنني ليس لي طريقة في تحققها أو أن أكتب لها الحياة، ولكن أعلم أن كثير من الشرفاء على ذلك لقادرين فهل سمع من بيده القلم، وهل سنعيش معهم هذا الحلم الجميل.. وهل ستزهر ليالينا ألقا… وهل سنسعد معهم و بهم لتصبح محطتنا كعبة للشرفاء لن يفارقها الملايين وستكون قبلتنا التي سنرنوا لها صباح مساء.
فقوموا يرحمكم الله لتجعلوا من حلمنا حقيقة.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …