موقف محترم
فتحي البحيري
وفوق انه محترم، فهو الموقف البديهي في مواجهة أي “إلزام ” تمليه مجموعة جزئية من المواطنين على سائرهم… لا سيما إذا ارتبط تاريخ هذا الإلزام وخطابه بتجارب سيئة السمعة جدا داخل الوطن ومن حوله. ولا سيما إذا كانت تلك المجموعة الجزئية تسعى بذلك الابتزاز العاطفي الرخيص إلى الإفلات من مستحقات وطنية وثورية واجبة السداد مثل إقرار دولة المواطنة التي يجب أن يكون فيها كل المواطنين سواسية في الحظوظ والفرص والحقوق والواجبات.. دون أدنى تمييز على أساس لون أو نوع أو دين أو عرق.
ومثل الانصياع السلطوي غير المشروط وغير المنقوص لسيادة حكم القانون… ومثل الإذعان التام لحق جميع الشعوب السودانية في أن ترى ملامحها داخل وجه الدولة وأجهزتها من القاع إلى القمة وإلخ ذلك مما يحول بيننا وبينه ذلك الإلزام الابتزازي الرخيص الذي ينتمي إلى ذهنية الطغمة التي أسقطناها… أو يفترض أننا أسقطناها… ولا ينتمي مطلقا لروح الثورة الإنسانية الشاملة في السودان التي هتف شبابها أول ما هتفوا بوحدة الوجدان السوداني وبسحق تلك الذهنية التي لم تجرعهم خلال 30 عاما إلا الجوع والقهر والإذلال وإهدار الموارد والفرص تحت أقدام الجهل والعنجهية والفساد.
كيف يتمسك الوفد المفاوض باسم حكومة الثورة… بالله عليكم.. بشعار ليس من جوهر المعاناة الرهيبة التي قادت كل السودانيين إلى الثورة ؟ وليس من جوهر المعاناة التي كابدوها أثناء تلك الثورة؟ بل كيف يكنكش الوفد المفاوض باسم حكومة الثورة… بالله بالله عليكم… بذات الشعار الذي ظل سيفا مسلطا على رقاب السودانيين ولا يستخدم إلا لتبرير قهرهم وقتلهم وسرقتهم ولإفقارهم… ذات الشعار الذي لم تقم الثورة إلا ضده وضد نتائجه الكارثية… فاندهش وتأمل!
والمسألة لا تكمن في فخامة وضخامة الكلمات…. شاااريييعاة….. عالمانياااة…. بقدر ما تكمن في الذي وراء تلك الكلمات من التهرب الشيطاني الآثم من مبدأ المساواة ومن جوهر العدل الذي يظل هو أساس كل حكم… وقبل ذلك وبعده… التهرب الشيطاني الآثم من دفع الفاتورة الحقيقية الواجبة الدفع لإقرار سلام حقيقي شامل ومتجذر.. والمتمثل بكل بساطة في شيء واحد… هو إلغاء الامتيازات التاريخية الظالمة التي ظل يتمتع بها دوما بعض المواطنين دون سائرهم.
علاقة السودانيين العميقة والمتفردة.. وفق شهادات الآخرين بالإسلام… لم تصنع ولم تخضع عبر تاريخها الطويل لأي أنظمة فوقية…. وظل السودانيون المسلمون يثقون عبر الحقب أنهم أصدق وأصفى من حكامهم.. مسلمين كانوا أو غير مسلمين… وظل الحديث عن قوانين شريعة إسلامية عبارة عن ذريعة سلطوية تلجأ إليها على الدوام مجموعات تسعى لتبرير امتيازات غير عادلة. وغاية التناقض والغرابة أن يتبنى وفد مفاوض باسم حكومة ثورة ديسمبر المجيدة مثل هذا الحديث…. حتى لو بشكل ثانوي… ناهيك عن هذه الكنكشة التي توشك أن تنسف حلم الوصول إلى سلام عادل … تماما .
لكل ذلك، فإن الموقف التفاوضي لوفد الحركة الشعبية وحلفائها والقاضي بأنهم سيتنازلون عن مطلب حق تقرير المصير إذا تنازل وفد حكومة الثورة عن تمسكه المضحك والغريب بقوانين الشريعة .. هو موقف وطني وسياسي محترم.. ويضع القوى الحقيقية للثورة أمام المرآة.. هل خرج السودانيون ضد البشير أملا في دولة مدنية تسودها قيم المساواة أمام القانون في كافة الحقوق والواجبات؛ حرية سلام وعدالة… أم خرجوا طمعا في إمارة طالبانية… ليس إلا؟!
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …