علمانية الدولة .. جدل الدين والسياسة
الخرطوم – الشاهد
يتساءل المواطن السوداني الذي أثقلته سنوات وسنوات من الديكتاتورية والحرب الأهلية، ناران ظلت إحداهما تتغذى على الأخرى وتضعفان بنية الدولة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية على حد سواء .. هل سيشعل الاعتراف بالعلمانية الحرب الأهلية من جديد أم أنه سيوقفها إلى الأبد؟ وبينما المسلمون والمسيحيون في السودان يتبادلون التهنئة باعياد الميلاد ورأس السنة ومرور عام على سقوط النظام الديكتاتوري الإسلاموي، رفض زعيم حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي في حديث علني الدعوة لما أسماه بـ “العلمانية الأصولية التي زعم أنها” تلغي قيم المعاني الغيبية، وحذر من التعبيرات المعادية للإسلام، مشيراً إلى أن مثل هذه التيارات يجب أن تعلم أن الإسلام بالإضافة لمركزه الروحي فإنه محمول ثقافي شعبي هائل.
وبالنسبة لرئيس حزب المؤتمر السوداني السابق إبراهيم الشيخ فأنه فيراهن في حديث لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية على أن ثورة ديسمبر التي أسقطت نظام البشير قد جاءت بقيم وشعارات تنبذ العنصرية والتمييز بين المواطنين، عززته مواكب الثوار طوال شهور الثورة، وبالتالي فالحكومة السودانية الحالية وإطارها السياسي “الحرية والتغيير” ملتزمون بتقديم قوانين وتشريعات تشيع قيم الاعتراف بالتنوع وتؤكد عليه، وتحفظها وتضمن تنفيذها في القوانين، بما يطمئن المجموعات المختلفة بأن هناك تغيير حقيقي” ويضيف: “لن تكفي الكلمات المعسولة، بل يجب تحويل التغيير لواقع يلمسه الناس، يكفل المواطنة المتساوية، ووقوف الدولة على مسافة واحدة من الأديان كلها” ويذكر أن حزب المؤتمر السوداني هو الحليف الاستراتيجي لحزب الأمة في نداء السودان وقوى الحرية والتغيير.
وفي حقيقة الأمر فإن الحركات المسلحة التي تتفاوض الآن طلبا ً لاتفاق سلام دائم يوقف الحرب الأهلية إلى الأبد، وتشير تلك الحركات بوضوح إلى أن “العلمانية” هي الشرط الأساسي الذي لن يجعلها تميل إلى المطالبة بالانفصال أسوة بالجنوب في 2011 عبر إقرار حق تقرير مصير للمناطق التي تمثلها تلك الحركات وبالتالي لن يقود الهروب من إقرار علمانية الدولة إلا إلى تشظي البلاد وتفتتهها، وفي السياق تقول الكاتبة الصحفية عبير المجمر في مقال حديث لها عن سكان جبال النوبة أنهم “ما زالوا يحتفظون بخصوصيتهم الدينية والثقافية ولا يمكن إجبارهم على القبول بالعيش تحت حكم يرفض العلمانية اذا كانت مطلبهم، ويبقى تقرير المصير حق شرعي أقره القانون الدولي والقانون الإنساني، ويحق لهم في حالة رفض العلمانية تقرير مصيرهم فلا يجبر ابن آدم على ما لا يريد، متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهم أحرارا”.
عالميا يقوم الكاتب المغربي مبارك بلقاسم بسياحة إحصائية ليجد أن هناك أمثلة لخمس عشرة دولة على الأقل من التي تتوفر فيها غالبية مطلقة أو بسيطة من السكان المسلمين وأغلبها لا يتوفر فيها تنوع عرقي وإثني كالذي في السودان، وكلها تنص دساتيرها صراحة على علمانية الدولة ومن أبرز هذه الدول تركيا التي يبلغ عدد سكانها حوالي “79” مليون نسمة، 96% منهم مسلمون، يقول الدستور التركي في الفصل رقم 2 : “الجمهورية التركية دولة ديمقراطية، علمانية واجتماعية تحكمها سلطة القانون، في إطار مفاهيم السلم العمومي، والتضامن الوطني والعدالة، وتحترم حقوق الإنسان”.
ودولة السنغال التي يبلغ تعدادها السكاني حوالي 15 مليون نسمة، وحوالي 94% من سكانها مسلمون، ويقول الدستور السنغالي في الفصل رقم1: “جمهورية السنغال علمانية، ديمقراطية واجتماعية. وهي تضمن المساواة أمام القانون لكل المواطنين، بلا تمييز على أساس الأصل، العرق، الجنس، والدين. وهي تحترم كل المعتقدات، وفي جمهورية ألبانيا نجد عدد سكان البانيا حوالي 3 ملايين نسمة، وحوالي 58% من سكانها مسلمون. يقول الدستور الألباني في الفصل رقم 10 ما نصه : “1- في جمهورية ألبانيا لا يوجد دين رسمي. و 2 – الدولة محايدة في مسائل الإيمان والضمير وتضمن حرية التعبير عنها في الحياة العمومية” وتشير “الشاهد” أن المعلومات والأرقام الواردة في هذا التقرير مأخوذة من مقال للكاتب المغربي مبارك بلقاسم ، نشر في يوليو 2016.
وبالعودة إلى أفريقيا فإننا نجد دستور جمهورية بوركينا فاسو التي يبلغ سكانها حوالي 19 مليون نسمة 60% منهم مسلمون ، يقول في الفصل رقم 31: “بوركينا فاسو دولة ديمقراطية، وحدوية وعلمانية.” ويقول الفصل رقم 27 من دستور بوركينا فاسو بالفرنسية: “التعليم العمومي علماني” وجمهورية كوسوفو عدد سكانها حوالي مليونين نسمة، وحوالي 95% من سكانها مسلمون فيما يقول دستور كوسوفو في الفصل رقم 8 : “جمهورية كوسوفو دولة علمانية وهي محايدة في شؤون المعتقدات الدينية”.
وبالنسبة لدولة مالي فأننا نجد عدد سكانها حوالي 18 مليون نسمة، وحوالي 90% من سكانها مسلمون، ويقول دستور دولة مالي في الديباجة: “الشعب المالي ذو السيادة، يلتزم بصدق بالدفاع عن الشكل الجمهوري وعلمانية الدولة” ويقول في الفصل رقم 18 بالفرنسية: “التعليم العمومي إلزامي، مجاني وعلماني” ويقول الفصل 25 من دستور دولة مالي: “مالي جمهورية مستقلة، ذات سيادة، غير قابلة للتقسيم، ديمقراطية، علمانية واجتماعية” ويقول الفصل 28: ” يجب علي (الأحزاب السياسية) أن تحترم مبادئ السيادة الوطنية، والديمقراطية، والوحدة الترابية، والوحدة الوطنية وعلمانية الدولة”.
وفي دولة اوزبكستان يبلغ عدد السكان حوالي 32 مليون نسمة، 96% منهم مسلمون، يقول دستور أوزبكستان في الفصل 61: “المنظمات والجمعيات الدينية مفصولة عن الدولة ومتساوية أمام القانون، والدولة لن تتدخل في نشاط الجمعيات الدينية” ويقول الفصل 31 : “حرية الضمير مضمونة للجميع، كل واحد يملك الحق في أن يمارس أو أن لا يمارس أي دين، والفرض الإجباري للدين غير مسموح به” وفي جمهورية تشاد والتي يبلغ عدد سكانها حوالي 14 مليون نسمة، 55% من سكانها مسلمون، ويقول دستور تشاد في الفصل رقم 1 بالفرنسية: “تشاد جمهورية ذات سيادة، مستقلة، علمانية، اجتماعية، واحدة وغير قابلة للتجزيء، مؤسسة على مبادئ الديمقراطية وحكم القانون والعدالة، وتؤكد الفصل بين الأديان والدولة” ويقول دستور تشاد في الفصل رقم 35 : “التعليم العمومي علماني ومجاني”.
وفي جمهورية قرغيزستان والتي يبلغ عدد سكانها 6 ملايين نسمة تقريبا ، وحوالي 80% من سكانها مسلمون يقول دستورها في الفصل رقم 1: “الجمهورية القرغيزية (قرغيزستان) هي دولة ذات سيادة، ديمقراطية، علمانية، وحدوية واجتماعية محكومة بسلطة القانون” وفي جمهورية غينيا – كوناكري التي يبلغ عدد سكانها حوالي 13 مليون نسمة، وحوالي 85% من سكانها مسلمون يقول دستور غينيا في الفصل رقم 1: “غينيا جمهورية وحدوية، غير قابلة للتجزيء، علمانية، ديمقراطية واجتماعية”.
وفي دولة تركمانستان والتي يبلغ عدد سكانها حوالي 5 ملايين نسمة، وحوالي 93% من سكانها مسلمون، يقول دستور تركمانستان في الفصل رقم 1: “تركمانستان دولة ديمقراطية، قانونية وعلمانية تتخذ فيها الحكومة شكل الجمهورية الرئاسية” ويقول في الفصل رقم 12:”تضمن الدولة حرية الدين والعبادة، والمساواة أمام القانون، والمنظمات الدينية منفصلة عن الدولة، ولا تستطيع أن تتدخل في شؤون الدولة أو أن تقوم بوظائف الدولة، ونظام التعليم العمومي منفصل عن المنظمات الدينية وهو علماني، وكل شخص يحدد بشكل مستقل موقفه تجاه الدين، وله الحق، فرديا أو بالاشتراك مع آخرين، في أن يمارس أو أن لا يمارس أي دين، وأن يعبر عن معتقداته المتعلقة بالموقف تجاه الدين وأن ينشرها، وأن يشارك في الشعائر الدينية، والطقوس والاحتفالات”.
وفي جمهورية بنغلاديش والتي يبلغ عدد سكانها حوالي 172 مليون نسمة، 86% منهم مسلمون يقول دستور بنغلاديش في الديباجة : “نحن، شعب بنغلاديش […] نتعهد بأن المُثُل العليا وهي: الوطنية، الاشتراكية، الديمقراطية والعلمانية، التي ألهمت شعبنا البطل وشهداءنا الشجعان لتكريس أنفسهم والتضحية بحياتهم في سبيل النضال من أجل تحرير الوطن، ستكون [تلك المُثُل العليا] هي المبادئ الأساسية للدستور” ويقول في الفصل 12: يتم تحقيق مبدأ العلمانية عبر إزالة: “الطائفية بكل أشكالها، وإعطاء الدولة وضعا سياسيا لصالح أي دين، واستخدام الدين في أهداف سياسية، وأي تمييز ضد، أو اضطهاد أشخاص يمارسون دينا معينا” ويقول في الفصل 41: “بالتوافق مع القانون والنظام العام والأخلاق، كل مواطن يملك الحق في أن يعتنق، أن يمارس أو أن يروج لأي دين، وكل جماعة أو طائفة دينية تملك الحق في تأسيس وصيانة وإدارة مؤسساتها الدينية” وكل شخص يدرس في أية مؤسسة تعليمية لن يكون مجبرا على تلقي دروس دينية، أو على المشاركة في أي احتفال أو عبادة دينية، إذا كانت ذلك الدرس أو الاحتفال أو العبادة متعلقين بدين آخر غير دينه.
وفي دولة أزربيجان التي يبلغ عدد سكانها حوالي 10 ملايين نسمة، وحوالي 95% من سكانها مسلمون، يقول الدستور الأزربيجاني في الفصل 7 :”دولة أزربيجان جمهورية ديمقراطية، قانونية، علمانية، وحدوية” ويقول في الفصل 18 : “الدين في جمهورية أزربيجان مفصول عن الدولة، وكل الأديان متساوية أمام القانون، والنظام التعليمي للدولة علماني” وفي جمهورية كازاخستان والتي يبلغ عدد سكانها: حوالي 18 مليون نسمة، وحوالي 70% من سكانها مسلمون يقول الدستور الكازاخستاني في الفصل رقم 1: “جمهورية كازاخستان تعلن نفسها دولة ديمقراطية، علمانية، قانونية واجتماعية قيمها العليا هي حياة الفرد وحقوقه وحرياته.”
وبالنسبة لجمهورية طاجيكستان والتي يبلغ عدد سكانها: حوالي 9 ملايين نسمة، وحوالي 98% من سكانها مسلمون. يقول الدستور الطاجيكي في الفصل رقم 1: “جمهورية طاجيكستان هي دولة ذات سيادة، ديمقراطية، مبنية على القانون، علمانية ووحدوية” ويقول دستور طاجيكستان في الفصل رقم 8 : “أيديولوجيا أي حزب، أو جمعية اجتماعية أو دينية، أو حركة أو مجموعة لن يتم الاعتراف بها كأيديولوجيا للدولة. […] المنظمات الدينية منفصلة عن الدولة ولن تتدخل في شؤون الدولة” ويقول دستور طاجيكستان في الفصل رقم 100 :”إن شكل الإدارة العمومية، الوحدة الترابية، والطابع الديمقراطي، المحكوم بالقانون، والعلماني والاجتماعي للدولة لا رجعة فيه”.
وفي إندونيسيا، والتي يبلغ عدد سكانها: حوالي 258 مليونا، وحوالي 85% من سكانها مسلمون، يقول الدستور الإندونيسي في الديباجة بأن الدولة مبنية على 5 مبادئ وهي: “الإيمان بالله، الإنسانية، الوحدة الوطنية، الديمقراطية، العدالة الاجتماعية” ويضمن الدستور حرية اختيار المواطن الإندونيسي لدينه أو عقيدته والتعبير عن ذلك ويقول دستور إندونيسيا في الفصل رقم 28 : “كل شخص هو حر في أن يختار وأن يمارس الدين الذي يختاره” ويسمح الدستور الإندونيسي (في الفصل 9) للرئيس الجديد المنتخب ونائبه خلال مراسيم تولي الرئاسة بأن يقسما (يحلفا) بالله حسب الدين الخاص بكل واحد منهما أو أن يختارا عدم أداء القسم بالله وتعويض القَسَم بـ”تعهد” يخلو من ذكر كلمة “الله” وهذا الفصل التاسع من دستور إندونيسيا يؤكد بذلك عدم اشتراط التدين بدين معين ليتقلد مواطن أو مواطنة منصب رئاسة الجمهورية، وهذا مبدأ علماني صرف، ولا يذكر الدستور الإندونيسي دين “الإسلام” بالاسم ولا أي دين من الأديان الأخرى المنتشرة في إندونيسيا، ويقول دستور إندونيسيا أيضا في الفصل 9 : “قبل مباشرة المنصب، يؤدي الرئيس ونائب الرئيس القَسَم حسب دينيهما على التوالي، أو يؤديان تعهدا صادقا أمام المجلس الاستشاري الشعبي (MPR) أو المجلس النيابي الشعبي (DPR).”.
وبالنظر لما ذكر سابقا يوجد لدينا “15” دولة علمانية دستوريا ورسميا ذات أغلبية سكانية من المسلمين، من ثلاث قارات هي “أفريقيا وأوروبا وآسيا” ومجموع سكانها يفوق “400” مليون نسمة، وعلى الرغم من درجة التدين العالية لدى تلك الدول فإن معظمها ليست من الدول التي تعاني من اضطرابات أو حروب أو خلايا وجماعات ارهابية مما يعني ارتياح وتواءوم المجموع السكاني ذي الغالبية المسلمة مع نظام الدولة ذي الطبيعة اللادينية أو العلمانية.. وفي الحالة السودانية نجد أن الإصرار على عدم الاعتراف الرسمي بالعلمانية التي تضمن المواطنة المتساوية لجميع أفراد الشعب والذي ينافسه قبول “اجتماعي” وسياسي بها، وفي هذا السياق تقول مصادر الحركة الشعبية لوكالات الأنباء العالمية أن أعضاء الوفد الحكومي يؤكدون داخل قاعة التفاوض شفاهة رفضهم للدولة الدينية وإيمانهم بالعلمانية ولكنهم يرفضون إيداع هذا الموقف كتابة!.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …