جدلية قصيدة النثر
امال القاسم/الأردن :
إِنَّ ما يُسمّى ب” قصيدةِ النّثر ” لٓهُوٓ ضرْبٌ من ضُروبِ الأدبِ ، يبتعدُ كلّٓ البعدِ عن الشعرِ الأصيلِ ديوانِ العربِ الذي لا يُسمحُ بالتجاوزِ عليه، واقتحامِ هيكلتهِ ؛ يبتعد عنه من حيث الشكل والوزن والقافية فهو الإمام ذو المقامِ ، والجامعُ للفنونِ الأدبيةِ جلِّها التي تصبُّ في سبيكةٍ مكينةٍ وتحفةٍ نادرةٍ ، والتي يُشقُّ الإتيانُ بِمِثلِها على غيرِ الموهوبين الذين خصّٓهمُ الله من فضلِه .. وهنا أقول وأنا الغيورُ عليه بالدرجة الأولى ، رغم أنني كاتبة نثر : لو علمتُ يومًا أن قصيدةٓ النثر تؤثرُ سلبًا على مكانةِ الشعر وتمسُّ خصائصٓه التي تفرّدٓ بها ،لعزفتُ عن كتابتِه من فوري، حرصًا مني ودفاعًا عن إرثِنا العربيِّ المجيدِ الذي نفخرُ ونباهي به الأمم ..
هذا وإن الإنفجارَ المعلوماتيَّ الهائلَ وتسارعَ الأحداث ِوالتطورَ المعرفيَّ مع الانفتاحِ الكبيرِ على الثقافات الأخرى أحدث ارتجاجا في عصبِ الفكرةِ الوجوديةِ وحرّضَ على ظهورِ فنونٍ جديدةٍ بقوالبَ تعبيريةٍ بحللٍ جديدةٍ ..مثقلةٍ بقضايا شتى ظاهريةً منها وجوهريةً.. ولا بدّ من وعاءٍ جديدٍ يتكافأُ وهواجسَها وأفكارَها وقوّتَها واستصراخَها واختناقَها ..
َوحين يصرخُ الإنسانُ بصدقٍ فإنه في حقيقتِه يرجو الخلاص من طاقاتِه التعبيريّةِ الصادقة التي يتحرّقُ بها ويكابدُ مشقّةَ همِّها، ولا ينتظرُ من أحدٍ لإعطائه هويةً ما أو تصريحًا ما .. إذ أنه لا تُعرّفُهُ أيٌةُ هُويةٍ كما يُعرّفُه اللونُ الأدبيُّ الذي أبدعَ فيه..
وأقول هنا جازمةً : سيظلُّ هذا الانفجارُ المذهلُ في اطّرادٍ ولن تلحقَ بركبِه فيالقُ النّقّادِ مهما قبضوا على رؤاه المجمرةِ لما تُخلّفُ وراءَها من دخانٍ وضبابٍ .. ويبقى الصدقُ في رصدِ الحركةِ الشعوريّةِ هو العصبُ الأولُ لقبولِ أيٍ عمل فنّي إبداعيٍّ حتى في غير الكتابة الأدبية ..
فالمتمحّصُ ” لقصيدةِ النثر” يجدُ أنها مزيجٌ ثنائيُّ التركيبِ من الشّعرِ والنثرِ، ومولودٌ حداثيٌّ لا بدَّ وأن نعترفَ به بين أقرانِه – شئنا أم أبينا – حتى وإن كان دخيلًا علينا فإنه حريٌ بنا احتضانُه والأخذُ بيدِه ليبلغَ بَرَّ الأمان ؛ انطلاقًا من جوهرِ اللغةِ الدقيقِ والثابتِ الذي يؤمنُ بالمرونةِ والليونةِ والتطوّرِ والخلقِ والإبداعِ ، مهما اتّخذَتِ اللغةْ أشكالًا ومفاهيمَ ومصطلحاتٍ، نظرًا لاقترانِها المقدّسِ بحِفظِ القرآنِ الكريمِ، فاللغةُ كائنٌ حيٌّ يعيشُ في مادّته شعرًا كانٓ أم نثرًا.
ولمّا كانتْ قصيدةُ النّثرِ جنسًا أدبيًّا ذا طاقةٍ هائلةٍ، مُتمرِّدًا، رافضًا، مُزمْجِرًا، لا يرسو على بحرٍ، مُتَطَلِّعًا للحريَّة ولا يخضعُ لقيود ؛ فإِنّهُ كانَ لزامًا عليهِ أنْ يخْتَلِقَ لغتَهُ الثّوريّةٓ والتّفْجيريّةٓ والتّخييليّةٓ والرّمزيّةٓ والتّكثيفيّة في أبعادٍ رُؤْيويّةٍ عميقةٍ بينَ جدليّةِ الأسئلةِ الوجوديّةِ .. ولو أردتُ أن أحددٓ مكانٓه جغرافيّا لوجدتُ أنه يتعلقُ ما بين الأَرْضِ والسماءِ فما رسا على بحر بلغتِه الشعرية وما سما بثورته الرافضةِ إلى متطلعاتِه وأحلامِه .. وهذا ما جعله يتّخذُ طابٓعا تضاريسيّا خاصا به وحده ..ويليق به وحده ..
فهو فنٌّ قائمٌ بحدِّ ذاتِه ؛ له شخصيّتُه وخصائصُهُ ومناصِروهُ ومناهِضوهُ، كما له محارِبوهُ أيضًا، إذ أنه في عيونِ الكثيرِ من شعراء الوزن محطُّ اتّهامٍ بالإساءةِ والإهانةِ والتعدّي على الشعرِ، رغمَ أنه مُنتَجٌ لُغويٌّ يُناضلُ ليستريحَ من هذه الإشكاليّةِ، ورغم أنه أثبتَ هُوِيّتَهُ وكيانَه في فضاءاتهِ الشعوريّةِ والفكريّةِ والوجدانيّةِ والفنيّةِ، وحقَّقَ معاييرَه الشّرعيّة للقَبول.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …