‫الرئيسية‬ آخر الأخبار التنمية البشرية: الثرثرة الممتدة
آخر الأخبار - رأي - مارس 1, 2021

التنمية البشرية: الثرثرة الممتدة

إبراهيم المصري – شاعر وصحفي من مصر :

لم يحدث على الإطلاق أن اشتريت كتاباً من تلك الكتب التي تتحدث عن التنمية البشرية، بوصفها خلاصاً من الهموم والأوجاع، أو بوصفها سكةَ النجاح المضمون بعد خمس دقائق من قراءة كتبٍ كهذه.
ولم يحدث على الإطلاق أن أخذت كلاماً ككلام الراحل إبراهيم الفقي، أو كلام المعاصرين لنا الآن في موضوع “التنمية البشرية” هذه على محمل الجد، بل وأنظر باحتقار شديد إلى تلك الدورات التي يعقدها بشرٌ يقولون إنهم “أساتذة في التنمية البشرية” ويتربَّحون منها، اعتماداً على بلاهة هؤلاء الذي يحضرونها ويدفعون من أموالهم، وكل هذه القصة بكُتبها المؤلفة بالعربية أو المترجمة عن لغات أجنبية، وبالوجوه المشهورة فيها؛ أو غير المشهورة وبدوراتها أو ورش عملها، ليست في الحقيقة سوى هراء محض، يُسوَّق باسم التنمية البشرية، والأخير عنوان من تلك العناوين العريضة التي تجد مغفَّلين يشترون سلعها.
وإن كانت التنمية البشرية بالمعاني التي سبق ذكرُها هكذا، فإنها لا تخصم فقط من المدوَّنات الإبداعية على اختلافها، وإنما تخصِم كذلك من مجال الطب النفسي، بوصفه اختصاصاً في العلاج. والأهم من كل ذلك أنها تخصم من “مفهوم التنمية البشرية ذاته”؛ بوصفه – هنا – مُركَّباً شديدَ التعقيد من الاقتصاد والسياسات والتعليم والإنتاج والعمل ووسائل الرفاهية، سعياً إلى إنسان يجد كرامته واحترامه وذاته في مجتمع منفتح، وفي دولة توجه إمكانياتها كلَّها لخدمة الإنسان.
والتنمية البشرية في أفقها الجاد، مسؤولية ذات مستويات متعددة، تبدأ بالفرد وتنتهي إليه، سواء على الصعيد الشخصي أو الصعيد العام، وفي أفق منضبط الوعي بالقدرات، بوسع الفرد أن ينمِّي مهاراته على سبيل المثال، عاملاً أو مهنياً أو موظفاً أو مدرساً أو عالماً، غير أن ذلك مرتبط بالمناخ الذي توفره الدولة والسلطة، وبنظرة المجتمع ذاته محرراً من القيود الشديدة للعادات والتقاليد ومن البيروقراطية ومن التسلُّط ومن إهدار الثروات والإمكانيات البشرية.
على أنَّه من اللازم القول، إنَّ الأدب بكل مدوناته من شعر وقصة ورواية، أو الفنون بكل أشكالها من رسم ونحت وسينما وموسيقى، لا تقدم الكثير لمفهوم التنمية البشرية الجاد، ما لم يكن ثمة مناخ سياسي وثقافي حرٌّ، وما لم يكن ثمة بناء تعليمي على أسس من حرية التفكير والبحث، وإن نظرنا إلى مجمل الثقافة الراهنة في مجتمعاتنا العربية، فلن نخرج بأية نتيجة سوى الإحباط، وكأننا عالقون في زمن جامد لا يتحرك، وفي الإحباط ذاك تزدهر ما يمكن أن نسميه “صناعة التفاهة” من برامج “التوك شو” التلفزيونية، إلى التسلُّطِ الموجَّه، إلى التنمية البشرية ككتب للقراءة، أو كورشة، أو كأي شكل آخر يظن المنخرطون فيه أنه ذو جدوى على حيواتهم. وإذ تجتمع التفاهة مُنتِجاً ومُنتَجاً ومستهلكين، لا يعود السؤال عن القيمة له أي معنى، ولا يعود الكلام عن التنمية البشرية سوى ثرثرة ممتدة منذ نشأة الدولة الوطنية في العالم العربي وإلى اليوم.

‫شاهد أيضًا‬

الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش

كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …