الأصابع: عودة الشيخ إلى صباه
عبد الله علي إبراهيم
عاد هذ الشيخ ول إلى صباه يوم تسلمت في ٢٠١٦ نسخاً من مجموعتي القصصية “الاصابع” حارة من المطبعة من منشورات هيئة الخرطوم للصحافة والنشر. وكنت بدأت حياتي في الثقافة والفكر وأنا ما أزال بالثانوية بعطبرة بكتابة القصة القصيرة. وكنت “غرقان” أدب حتى صار اسمي “عبد الله أدب” بين الأنداد.
لا أعرف مادة لي رغبت في نشرها أكثر من “الأصابع”. لا أعرف كم مرة عزمت على الأمر حتى في الصبا ولم أوفق. كنت أرغب في نشرها بالاشتراك مع أبو بكر الأمين شبر الذي جمعني معه فصل في ثانوية عطبرة الحكومية وكتابة القصة. وربما استوحينا الفكرة من قدوة أبو بكر خالد والطيب زروق اللذين نشرا “قصص سودانية” معاً. وكنا طلاباً مفلسين ولكن لم يمنعنا ذلك من أن نحلم. بل اتخذت نشرها يوماً حيلة لإقناع الوالد رحمه الله للسفر للخرطوم لحضور مناسبة شيوعية بزعم أن ناشراً بالمدينة ينتظرني بها. وعرفت الوالد أكثر من بعد وأنا على يقين اليوم أن الحيلة لم تنطل عليه. وكان أبي مثل القيادة في الجليد. فمثل هذا القائد منصوح ب”مسايسة” السيارة وتركها على سجيتها. فإن أراد فرض نفسه عليها هلك.
عادت بي “الأصابع” إلى حقول شقائي الباكر مع هويتي والتعبير عنها. وهو شقاء يُرخي أذني وقلمي الآن لمن يقاسون منه من شبابنا. أذكر ذهولي عن عادات الصبا مستغرقاً في عوالم قصصي عن الناس. صرت استمع للمتحدثين في دكان والدي بغرض ومكر. كنت أنتظر المفردة القصصية القادمة من المجريات حولي. كنت التقط العبارة النيرة من الأفواه وأنقلها من الصحف والكتب. وعرفت لاحقاً أن ما كنت أقوم به هو بمثابة تحضير الطوب لبناء بيت الحكاية. وسخر مني قريب ما لعصبية أصابعي في عزلتي. وقال إنه حدث لي ما حدث لعبد الله الطيب. ولا أدري مدى علمه بأحوال عبد الله الطيب. واذكر يوماً كانت بين متفرجين لمبارة لكرة القدم بميدان المدرسة الشمالية بالداخلة وكنت أعرف أنني ليس فيهم. كنت أدير في رأسي قصة تطرقه بعنف.
سميت المجموعة “الأصابع” تيمناً بقصة بذات العنوان لن تجدها في المجموعة لأنها ضاعت أدراج الرياح حتى يومنا. وما عضضت بنان الندم على شيء مثل ضياع “الأصابع”. فقد احسنت إليّ إحساناَ جما. كتبتها وأنا ابن خمسة عشر ربيعاً بالثانوية. واستحسنها تحرير “رابطة اصدقاء نهر العطبرة” النشرة الشهرية للجماعة صاحبة الاسم. فنشرتها في 1957 ثم نقلتها جريدة “الميدان” عن النشرة. فأنظر إلى هذا “السؤدد” يصاهل هذا الصبي. وكانت مخائل ذلك النجاح الباكر بين ربعي وعلى النطاق الوطني ما ثبتني على الكتابة إلى يوم الناس هذا.
متى أعتزلكم معتزل في الصبا واستهام أطلقوا سراحه، وكفوا عن نصحه. وسبقني إلى الحفاظ المر على هذا الصبا الحر التجاني يوسف بشير في قصيدته “ثورة الشباب”:
يفرح الطين في يديّ فألهو جاهداً أهدم الحياة وأبني
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …