‫الرئيسية‬ آخر الأخبار سياسات النيوليبرالية وصعود التيار الشعبوي مناهضة الأصولية والعنصرية، والموقف النسوي
آخر الأخبار - رأي - مارس 19, 2021

سياسات النيوليبرالية وصعود التيار الشعبوي مناهضة الأصولية والعنصرية، والموقف النسوي

(ترجمة محاضرة لنيرا يوفال ديفيس) :

د. اميرة احمد :

قمت بترجمة معظم ما ورد في محاضرة نيرا يوفال ديفيس أثناء أحد المؤتمرات (من اللغة الإنجليزية إلي العربية)، لما رأيته من أهمية في حديثها هذا. وتركت بعض المصطلحات التي لم أكن علي يقين من صحة ترجمتها كما هي باللغة الإنجليزية.

يرتكز حديث نيرا حول نقطتين محوريتين:
1. السياق العالمي لنمو التيارات الأصولية
2. العلاقة بين مناهضة العنصرية وبين الأصولية

تقول نيرا يوفال ديفيس (2017)، أن العالم بأجمعه يعاني من أزمة مزدوجة فيما بتعلق بالحوكمة governability وكذلك طريقة الحكم governmentality، وهذا هو بالضبط السياق الذي خلقته الليبرالية الجديدة. أحد الأمثلة البسيطة هو أن الثروة التي تملكها الدولة الوطنية nation-state في العالم أجمع أقل من ثروات الشركات متعددة الجنسيات. لذا فإن قدرة الدول علي الحكم والحديث بإسم مواطنيها تصبح محدودة للغاية وينحسر دور الدولة في قدرتها علي القيام بدور المفاوض مع المصالح متعددة الجنسيات. رأينا في عدد من الدول برامج سياسية رائعة وقادة مؤهلين (ولنأخذ اليونان مثالا)، ولكن غول الخصخصة أصبح يقوض دور الدولة وسوف يؤدي لإستعباد المواطنين لأجيال قادمة.

ولذلك، كان هذا هو السبب في أن المزيد والمزيد من الناس يشعرون أنهم لا يرغبون في الإدلاء بأصواتهم، ويعزفون عن أي نشاط متعلق بالحكومة. وحيث أن أي حكومة ديمقراطية تحتاج إلى شرعية أصوات مواطنيها، نجد أن الليبرالية الجديدة كما ناقشها فوكو وآخرون – تعزز فكرة طريقة للحكم governmentality تقوم علي مبدأ أن كل شخص مسؤول عن نفسه، وأن ما يحدث للمواطنيين وما يتعلق بصحتهم أو رفاهيتهم ونجاحهم الاقتصادي وحماية حقوقهم هي في نطاق مسئوليتهم الفردية ولا تحاسب الدولة عليه. وبذلك تجرد الدولة الأشخاص من حقوقهم، ويصبحون عملاء clients لها وللدول الأخري بدلا من كونهم مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات.

يخلق هذا الواقع حالة من الغضب بين المواطنين ويلجأون إلي التمرد لأنهم يشعرون بضعف الحكومة وعدم قدرتها علي تمثيلهم بصورة لائقة، وفي ذات الوقت لا يرون أي رد فعل موازي يخفف من تهميش الحكومة لهم، حتي حركات التضامن رغم أنها رائعة من حيث المبادئ والأفكار، لكنها لا تملك أي آلية لصنع القرار وخلق نوع من البدائل السياسية والإجتماعية. كذلك يقوض هذا الوضع أي فرصة للتضامن والتماسك الاجتماعي، علي الرغم من أن الخطاب الرسمي للحكومات دائما ما يكون حول التماسك الاجتماعي.

ويكون من نتائج ضعف الدولة صعود الحركات الشعبوية. في الدول النامية، جاء الشعور بهذا الضعف نتيجة فرض ساسيات إعادة الهيكلة الإقتصادية وفشل ثورات ما بعد الاستعمار، لذلك ريما يمكن القول أن الحركات الأصولية الدينية قد نشأت بالطبع في كل مكان، ولكن ربما تكون قد بدأت جنوباً، ذلك لأن الحركة القومية التحررية “العلمانية” قد فشلت. يمكن أن نعزي فشل هذه الحركات القومية جزئياً، لمفهوم “قوة التقليد”، الذي يري أن الحركة المستقلة في العالم الثالث قد بدأت بتقليد حداثة الغرب التي كان جزءًا أساسياً من قوام فكرها قومياً، وكان ذلك في فترة ما يسمى بالثقافة الصافية-النقية pure والعصر الذهبي وما إلى ذلك. لذا في البحث عن أصالة الجنوب، وثقافتهم الخاصة، وأفكارهم الخاصة، بدأت بعض الحركات الحديثة في دول الجنوب بنزع الحجاب بالقوة، واستمر هذا إلي أن تم فرض الحجاب أيضاً بالقوة. وأصبح التمايز الديني هو الاختلاف الشرعي الوحيد في الهوية، وكانت المرأة بالتأكيد هدف مركزي بإعتبارها رمز للثقافة الجمعية وشرف الأسرة والأمة والقبيلة والعشيرة إلخ.

بعد أحداث 11 سبتمبر وما يسمي بالحرب العالمية علي الإرهاب، برز مع مرور الوقت كما نعلم نوعًا من الهجوم العنصري على جميع الأقليات في الغرب، بما في ذلك بالطبع الأقليات الدينية وخاصة المسلمة، وكان الخطاب ضد المسلمين في غاية العنصرية والتنميط السلبي، وطفت خرافات مثل أن المسلمين يستولون على أوروبا وما إلى ذلك. أما فيما يتعلق بالمنظمات النسوية، فقد أصبح الخطاب النسوي تحت رحمة القوى العالمية النيوليبرالية، وقد تم استخدامه على سبيل المثال لتبرير الحرب في أفغانستان والعراق.

ولكن من ناحية أخري، أصبح من السهل جدًا التفكير في أنك إذا كنت تنتقد أي نوع من الأيديولوجية السياسية التي تبني نفسها علي الأديان، فأنت عنصري. هذا النوع من الشعور بالذنب جعل اليسار متردد جدًا في انتقاد أي شكل من أشكال الأيديولوجية السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية للأقليات. ولكن يمكن القول أن مجرد هذا التردد هو في حد ذاته تصرف عنصري، لأنه أحادي homogenous ويعمل علي التعميم داخل كل أفراد ومجموعات الأقليات علي تباينها (وهنا تبرزبالطبع أهمية منهج التحليل التقاطعي intersectional . يؤدي هذا التغافل للتبيانات الهامة إلي وجود بل وقبول تنظيمات أصولية تتبني أفكار تصل حد العنف، ولكن يتم قبولها طالما لم تقم بالقتل – بعد! وكأن لسان حال الحكومات والمجتمع بما في ذلك اليسار، أن هؤلاء الأشخاص يمثلون “واحد منا”. ولكن لابد من الإنتباه بأن إضفاء الشرعية علي مثل هذه التنظيمات في الغرب أو (في الشمال) يمنح ترخيصاً لما تفعله بنا في الجنوب.

أما بالنسبة للحركات النسوية المتفرق بعضها بين هيمنة النيوليبرالية وشرعنة الأصولية، ينبغي القول أنه حتي لو كانت الحركة النسوية منتقسمة علي نفسها أو غير متجانسة أو تضم أصوات متناقضة، فإن هذا لا يجب أن يستخدم لتشويه النسوية، خاصة النسوية الإشتراكية التي تربط بطبيعتها ما بين التحرر النسوي/المرأة والأشكال الأخري من التحرر الإنساني من حيث الطبقة والعرق والعمر.

من ناحية أخرى، هناك صعود في تيار من التنظير النسوي مثل الذي جاءت به صبا محمود وفادية فاخر وآخريات، واللاتي بحسب إعتقادي أري أنهن قد وقعن في شرك ما يسمي بعصر ما بعد العلمانية. فقد أجرت صبا محمود أطروحتها للدكتوراة في النساء المتدينات بالقاهرة، وخلصت إلي أن التمكين الذي شاهدته والذي تحصل عليه النساء المتدينات من خلال كونهن أكثر تقوى وخشوع وما إلى ذلك في هذا السياق، هو ما يجب أن يكون عليه التمكين النسوي، وأن أي محاولة لتطبيق ما يسمى بالمبادئ الغربية أو العالمية للتحررعلى هؤلاء النساء هو في حد ذاته فعل إمبريالي وعنصري غربي متمحور حول أوروبا. ولكني أري أنه من خلال الركون لهذه النسبية الثقافية التي تري في الخشوع والتقوي تحرير للمرأة المسلمة، فإننا نكون قد تبنينا دعوة متحيزة وعنصرية للغاية.

هذه مسألة مهمة جدا؛ فالأمر هنا ليس مسألة دين، ولا أن العلمانية تعني الإلحاد. المسألة ليست نفياً ولا إنكاراً علي أحد في حق الإختيار الشخصي فيما يتعلق بالدين، ولكنها ضد فكرة أن فرض جميع الهويات الشرعية سيتم بناؤها من خلال المفاهيم الدينية التي يجب علي الجميع أن ينصاع لها بفرضية التجانس المتوهم وعدم مراعاة التمايز القائم. وبهذا المعنى، فإنه علينا أن نتفاوض بشأن العلاقة المتبادلة بين احترام الثقافة الاجتماعية الجمعية من ناحية، وبين البناء الفردي للهوية والانتماء وحقيقة أن أولوية بعض النساء على سبيل المثال قد تكون مختلفة في بعض المواقف الاجتماعية الخاصة من ناحية أخري. علي سبيل المثال، إذا نظرنا بشكل واقعي لحالة إمرأة في منتصف العمر، تعيش في مجتمع تشيع فيه ثقافة تعدد الزوجات، ولكنها تقبل بكونها زوجة تانية لأنه إذا تم طلاقها فسوف تُحرم من أي فرصة للبقاء علي قيد الحياة، أو قد تحرم من أطفالها، ناهيك عن النظرة السلبية للمرأة المطلقة. هنا يصبح تعدد الزوجات في هذه الحالة بالذات ليس الخيار الأسوأ، ولكن هذا لا يعني أنه عندما نتحدث عن مبادئ النسوية فإننا نؤيد أن تعدد الزوجات هو أفضل نوع من الأيديولوجية النسوية.

أخيراً، فإنني أعتقد أنه من المهم جدًا لأي نوع من النسوية المعاصرة، خاصة النسوية الإشتراكية، أن تهتم – بجانب قضايا العمل والإنجاب – إلي الطريقة التي يتم بها بناء هذه التراكيب، ومراقبة ما يحدث في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وكذلك أمريكا وأوروبا، التي ينتج عنها تمييع لقضايا المساواة وتحييد العلاقة بين الجنسين، وهيمنة الخطاب النيولبرالي الذي يتنكر لنواع التراكيب الجندرية. أن نسبة كبيرة من قادة اليمين المتطرف الشعبوي في أوروبا الآن هن بالفعل نساء، ولذلك لا ينبغي اختزال سياسة النوع الاجتماعي في النوع التقليدي من النساء اللائي يبقين في المنزل فقط، فالكثير من التأثير الذي تتمتع به النساء المحافظات والشعبويات تكمن في خروجهن إلى المجال العام، وفي نفس الوقت تعزيز المفاهيم التقليدية المتعلقة بالتقسيم “الطبيعي” للعمل بين الجنسين.

الكلام ده مهم جدا وبساعد علي قراءة الكثير مما يحدث علي الساحة السودانية، خاصة والسودان مقبل علي مرحلة جديدة.

‫شاهد أيضًا‬

الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش

كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …