هل الاقتصاد علم؟
د. معتصم اقرع :
الاجابة القصيرة هي نعم و لا. أفضل طريقة لتوضيح النقطة هي تقديم مثالين:
في بلد مثل السودان، يخبرنا الاقتصاد كعلم أن عجز الموازنة الكبير والمزمن مشكلة سيئة تسبب التضخم وتوسع عجز الحساب الجاري في ميزان المدفوعات الخارجية.
كون عجز الموازنة المرتفع, في سياق شبيه بالسوداني,
يتسبب في التضخم هو أمرا مؤكدا من النظرية والأدلة الامبريقية الوافرة وهذه الحقيقة متفق عليها وليست محل نزاع علمي.
أما بالنسبة لكون عجز الموزانة مرتبطا حسابيا بعجز الحساب الجاري ، فهذه مجرد متطابقة رياضية لا يمكن التشكيك فيها إلا إذا كنت ترغب في الاعتراض على أن واحد زائد واحد يساوي اثنين.
باختصار، يخبرنا علم الاقتصاد أن العجز الكبير والمزمن في الموازنة الذي يتكرر على مدى سنوات عديدة مضر للتوازن الداخلي والخارجي للاقتصاد ، وسيئ لاستقرار الأسعار ومفسد للاستثمار.
وهكذا يخبرنا العلم ويحثنا لاحتواء عجز الموزانة. اذن كيف يفترض أن نفعل ذلك؟
يخبرنا العلم أن هناك العديد من الطرق للقيام بالمهمة ، وكلها تتلخص إما في زيادة الإيرادات العامة أو خفض الإنفاق عبر إجراءات مثل:
+ تخفيض الإنفاق العسكري والأمني.
إدخال ارباح الشركات المملوكة للجيش وللميليشيات التي تصرف عليها الدولة في الموازنة العامة.
زيادة الضرائب على كبار الأغنياء وعلى السلع والخدمات التي يستهلكونها.
تقليص الإنفاق على البيروقراطية المدنية على مستوى المحافظات وعلي المستوي الفيدرالي – لا وزارات إضافية ولا سيارات جديدة ولا امتيازات جديدة ولا اتاوات لأمراء الحرب ولا سفر فالت لكبار رجال الدولة لأي سماية أو طهور في محيطنا الافريقي أو العربي أو العالمي.
إخضاع الثروات الوطنية الطبيعية، مثل المعادن النفيسة ، لسيطرة الحكومة.
+ فرض ضرائب على ستات الشاي.
+ إلغاء دعم السلع الحساسة التي يعتمد عليها الفقراء بدرجة اعلي.
تخفيض الصرف الفعلي علي الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم وتطوير البني التحتية.
زيادة الضرائب على المنتجين والمستهلكين ورفع الرسوم الجمركية على السلع المستوردة.
القائمة لا حصر لها ويمكنك ان تضيف إليها في حدود أن النقطة الأساسية هي أن الحل هو إما زيادة الإيرادات العامة أو تقليل الإنفاق العام أو المزج بين الاثنين.
عودة الي النقطة المحورية , يخبرنا الاقتصاد كعلم أنه من المهم التخلص من عجز الموازنة ولكنه لا يدلنا كيف نحقق ذلك. السبب هو أن اختيار كيفية تقليل عجز الموازنة عبر تنفيذ أي مزيج من الخيارات المذكورة أعلاه ليس سؤالاً علميًا على الإطلاق.
كيفية السيطرة علي عجز الموازنة – أما بـفرض ضرائب على ستات الشاي أو رفع الدعم أو إعادة ما ملكته الميليشيات أو الحد من امتيازات كبار البيروقراطيين العسكريين والمدنيين أو غيره – هو سؤال اجتماعي وسياسي وأيديولوجي ولا علاقة له بالعلم.
لا يخبرنا العلم شيئًا عن الطريقة الأفضل لخفض عجز الموزانة ، وبالتالي فإن اختيار الطريق الي ذلك الهدف يعتمد حتمًا على قناعات طبقية وأيديولوجية واجتماعية وأخلاقية.
في هذا المنعطف لا يكون اختلاف الرأي مع الخبير أو الحكومة أو الصندوق أو البنك متعلقا بالفهم العلمي للقضية والاشكال ولكنه يعكس فقط الاختلاف في القيم السياسية والمعايير الأخلاقية التي تراعي ولا تتجاهل من يتحمل تكلفة حل مشكلة.
وهذا يعني أيضا ان الاتفاق حول تشخيص المشكلة لا يعني الاتفاق علي كيفية الحل بما ن التشخيص علم والحل خيار سياسي وأيديولوجي وموقف طبقي واجتماعي.
وهذا يعني أيضا ان الخلاف حول تفاصيل الحل لا يعني انكار المشكلة أو انكار التشخيص.
ولو جاز لنا ان نضرب مثلا آخرا فلنقل انه كان يجب على أي تلميذ في السنة الثانية من مدرسة الاقتصاد أن يكون قد سمع عن منحنى فيليبس الذي يقول أنه (علي الاقل في اقتصادات علي درجة ما من التقدم) هناك علاقة عكسية بين معدلات التضخم والبطالة مما يعني أن السياسة الاقتصادية يمكن أن تخلق الكثير من الوظائف إذا كان صانعها يفضل تحمل القليل من التضخم. أو انه يمكنه ترويض التضخم علي حساب معدلات بطالة مرتفعة يصحبها ركود في الأجور حتي لو ارتفعت الانتاجية والارباح.
هذا ما يخبرنا به الاقتصاد كعلم. ولكن هل يدلنا علم الاقتصاد كيف نختار بين القليل من التضخم ، بمعدل ليس مرتفعًا للغاية ، مصحوبا بالكثير من الوظائف المتاحة والأجور المرتفعة من ناحية ، أو ، من ناحية أخرى ، ارتفاع معدلات البطالة واستقرار الأسعار الذي يناسب مصالح الأغنياء ومن يمتلك أصول في سوق الأوراق المالية؟
الإجابة لا، فالتفضيل بين الخيارين ليس سؤالاً علمياً يستطيع العلم المحايد اجتماعيا ان يجيب عليه. اذا هو سؤال تتعلق الاجابة عليه بالموقف السياسي والأيديولوجي والطبقي والاخلاقي للخبير أو المؤسسة الدولية أو الفنطوط الفرحان بمسطلحين جاري بيهم.
خلاصة القول أن أي خبير أو فنطوط يقول بأن الاقتصاد هو علم صرف/خالص هو إما أحمق جاهل من الدرجة الرابعة (جاهل ولا يدري انه جاهل – فاجتنبوه كما اوصي الامام علي )، أو محتال يريد سرقة ريشة من ضنبك الملون أو أسوأ.
من ناحية أخرى، إذا أخبرك أي منظر من منازلهم أو من كيبورداتهم صراحة أو ضمنا أن الاقتصاد هو مجرد طق حنك يمكن مقاربته بخفة توزيع الادانات وتأليف قوائم الأمنيات العزبة بتاعة اكل الكيكة وحفظها ، فهو أيضًا حبرتجي لا يعرف ما الذي يتحدث عنه.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …