الصوفية والسلم المجتمعي
محمد الانور :
الناظر إلى خريطة السودان الجغرافية والديموغرافية يجد أن تكوين هذا البلد تكوين صوفي ، فمعظم مدنه وقراه وأحيائه أنشأها أو عمَّرها مشايخ الصوفية وسميت بأسمائهم أو بأسماء ذات دلالات صوفية ، فنجد أن المسيد هو النواة التي تطورت فيما بعد إلى القرية ثم إلى المدينة ، فأساس المسيد هو المسجد وخلوة القرآن الكريم والمعهد العلمي والتكية ، والمسيد إذا أخذناه كمؤسسة اجتماعية هو في حقيقته دولة مصغرة تجتمع فيها كل مصالح المواطنين الدينية والعلمية والمعاشية والتكافلية والصحية والأحوال الشخصية وغيرها من شؤون الحياة ، حيث أصبح بوتقة اجتمع فيها السودانيون بمختلف قبائلهم وسحناتهم وأحزابهم ومشاربهم على بساط المحبة والإخاء والتعاون ، ومن خلال هذه المؤسسة الاجتماعية العريقة استطاع السادة الصوفية أن ينشئوا مجتمعات قائمة على القيم والأخلاق عبر تربية الفرد الشخصية بما يمتلكه المشايخ من نور إلهي وبصيرة مفتوحة ونقاء قلبي وصفاء روحي وخبرة ودربة وقبول ، مكنتهم من معرفة خبايا النفس البشرية وقواطعها فوضعوا لها برنامجاً متكاملاً للتربية والإرشاد والإصلاح والتقويم متوافقاً مع طبيعة الشخصية السودانية ، وذلك عبر الأوراد والأذكار والأمداح والدروس العلمية والصحبة الصالحة والرياضات الروحية وغيرها من وسائل التربية وترويض النفس ، فصاغوا بذلك الشخصية السودانية البسيطة المتدينة ذات الروح الصوفية المتصالحة مع النفس والمتسامحة مع الغير ، كل هذه الأشياء مجتمعة أدت في تقديري إلى تحقيق سلم اجتماعي في مناطق هذه المسايد والمراكز الدينية ، وإذا نظرنا إلى كافة مناطق السودان والتي بها مسايد للصوفية ومراكز إشعاع روحي وعلمي نجد أن السلم الاجتماعي والتعايش السلمي متوفر إلى درجة كبيرة ، وحتى المناطق الصوفية التي تنشأ بها بعض التوترات والنزاعات من حين إلى آخر نجد أنها نتيجة لتدخلات سياسية أو عقدية خاصة في فترة الثلاثين سنة الماضية ، حيث عملت يد السياسة الخبيثة على بث خطاب الفتنة القبلية تطبيقاً لسياسة فرق تسد ، أما التدخلات العقدية فهي بمحاولات تغيير هوية البلاد الدينية وفرض آيديولوجيات متطرفة مستجلبة من الخارج لُفظت في مناطقها فابتلي بها السودان والذي أصبح في الفترة منذ العام 1989 مكباً لنفايات العالم الفكرية ، أما المناطق التي بها نزاعات وتوترات مستمرة ومزمنة هي المناطق التي لا نجد فيها مسايد للصوفية ولم تنعم بإشعاعهم الروحي ولا أنوار علومهم ولا إمدادات بركاتهم .
إنها ليست عصبية ولا تحيزاً للتصوف ولكن هي واقع يلاحظه كل متجرد ذي بصيرة ، وهي دعوة لكافة المختصين من العلماء والباحثين والمهتمين بقضية السلم الاجتماعي والتعايش السلمي سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات رسمية أو منظمات مجتمع مدني إلى دراسة هذا الأمر دراسة منهجية ميدانية مستفيضة بحيث تسهم هذه الدراسة في تحقيق السلم المجتمعي بالاستفادة من التجربة الصوفية في التربية والتزكية والإرشاد .
محمد الأنور
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …