من لا يحتاج الى الامبراطورية هو الذي تحتاجه الامبراطورية

د. معتصم اقرع

أدركت مدى صعوبة علم الاقتصاد لأن متاهاته لا توجد فيها إجابة بسيطة وثابتة لأي سؤال فالإجابة الصحيحة في سياق معين قد تكون كارثة في سياق اخر والعكس صحيح. وما يصح في سياق لا يصح بالضرورة في سياق اخر. الحل الأفضل لأي مشكلة سياقي – أي انه دائمًا يعتمد علي عوامل اخري متغيرة وقلقة ومعقدة.
مشكلة أخرى هي أن الاقتصاد خليط من العلم والايدلوجيا والمصالح الطبقية المستترة والتدليس الكهنوتي لذا فان العديد من الاقتصاديين الأذكياء يخطئون في البعد السياسي وينتهي بهم الأمر إلى الوقوف إلى جانب ظلم الأغنياء لغيرهم عن قصد أو فساد أو سطحية في حين أن العديد من الاقتصاديين الآخرين يتمتعون بنوايا سياسة وأخلاقية صحيحة ولكن تحليلهم الفني, المعرفي, ضعيف ويصير خطابهم الاقتصادي امتداد لموقفهم السياسي – أخطأوا ام أصابوا – في ذهول عن منطق التحليل الاقتصادي في بعده العلمي الموضوعي.
في السودان، معلمنا وشيخنا الأكبر ، علي عبد القادر علي ، ظل دائمًا منارة علم الاقتصاد الأعلى في تاريخ السودان. فهو حاذق تقنيًا ، صائب سياسيًا ومتفوق أخلاقياً وتمتع بعقل وقلب كلاهما في الموقع الصحيح. درسنا وفهمنا علي يديه في البكالوريوس من مراجع كانت تدرس لطلبة الدكتواراة في اعظم جامعات العالم. شهدت بعد ذلك محاضرات اقتصادية قدمها الأفضل في المهنة علي مستوي العالم, الاحياء منهم والاموات, وكان انطباعي دائما ان علي في مقامهم أو أفضل منهم في معظم الأحوال.
للأسف ، في السودان ، يطفو الزبد والحبرتجية والزبالعة في الأعلى ولا يلحظ أحد أبناء وبنات الوطن المتينين, الحقيقيين لأن الأصيل لا يروج لنفسه ولا يطارد الاضواء ولا يجيد التسلق والمنتشة.
حكي هادي العلوي في مفارقة السلطة انهم أرادوا للحكيم ياو من رموز التاويين أن يكون إمبراطوراً فرفض قائلاً انه لا يحتاج إلى امبراطورية. وعندها قال تشوانغ تسه، حكيم التاو الثاني: ياو لا يحتاج الى الامبراطورية, لكن من لا يحتاج إلى الإمبراطورية, هو بالضبط ذلك الإنسان الذي تحتاجه الإمبراطورية ليحكمها.