
في ذكرى الثورة الفرنسية
علاء الدين محمود :
“يا سيدي نحن نعلم أنك قد عدت إلى فرنسا بمحض إرادتك، لكن التعليمات مشددة من قبل الثوار بشأن التعامل مع الارستقراطيين”
ذلك مقتطف من حوار ورد في احد الروايات الشهيرة التي تتناول جانبا من الثورة الفرنسية الشهيرة.
والارستقراطيون ليسو حزبا سياسيا، بل طبقة اجتماعية كانت تهيمن على فرنسا قبيل الثورة، وجد الثوار أن من المهم القضاء على تلك الطبقة الاجتماعية ليس عبر التصفيات الجسدية كما يظن البعض، بل عبر ما يجعل وجودهم قائما؛ أي أجهزة الدولة القديمة، فالثوار الفرنسيون، وجدوا أن تحقيق الانتصار النهائي لمصلحة ثورتهم، وسيادة رؤيتهم للسلطة وممارستهم لها لن يتم إلا بتحطيم أجهزة الدولة القديمة من برلمان وشرطة وجيش وقوات نظامية، بصورة تامة، وما كان من الممكن الحديث عن نجاح الثورة هناك في ظل وجود تلك الطبقة وأجهزتها.
إن الثورة أمر لابد من حدوثه من أجل خلق تغيير حقيقي في المجتمع، وقد كان الصراع محتدما في فرنسا بين الارستقراطيين من جهة والبرجوازيين وحلفاءهم من فقراء المدن والفلاحين من جهة أخرى، وقد شكل فقراء المدن العامل الحاسم في نجاح الثورة.
كانت خطة البرجوازيين هي التمكن من التوجه السريع نحو الاستقرار السياسي، من أجل التجارة ومصالحهم المرتبطة بها، لكنهم وجدوا أنفسهم بين كماشة الثورة المضادة بقيادة الطبقة الارستقراطية، وبين تطلعات الجماهير ، وهذه مسألة في غاية الأهمية وشديدة العلاقة بما يجري في سودان الثورة، حيث كانت البرجوازية التي شاركت في الثورة، محاصرة من النظام القديم والثوار على السواء، وقريب من هذا الأمر حدث عندنا، فعندما تخلت حكومة الفترة الانتقالية عن تمثل الثورة وأهدافها، وجدت نفسها محاصرة من قبل النظام القديم والثوار على السواء، أي جمع بين الثوار والنظام القديم موقف واحد من الحكومة لكنه مختلف من حيث الأهداف.
وفي فرنسا الثورة، عملت الجماهير الثورية على تنظيم نفسها عبر اجسام وتنظيمات صنعها فقراء المدن والفلاحون، ذلك لأن مصالح هذه المجموعات الاجتماعية ليست متوافقة مع طبقة البرجوازيين التي كانت شريكة لهم في الثورة، لذلك كان لابد من رؤية نظرية لدعم مصالحها الطبقية والاجتماعية، وقد نجحوا في ذلك في عام 1871، عندما أقاموا أول حكومة لهم في العالم في “كوميونة باريس”.
هذا الحديث بطبيعة الحال لا يتحدث عن الماركسية لا في صيغتها اللينينة ولا صيغها المتعددة الحديثة، والثورة الفرنسية كما هو معلوم ليست شيوعية، ولكن بمجرد أن يجد البعض مفردات وكلمات مثل: طبقة، برجوازية، ارستقراطية، جهاز الدولة، عدالة اجتماعية، يأخذهم الظن بأنك تتحدث من منطلق ومرتكز شيوعي، ولكن بطبيعة الحال فإن الماركسية قد استفادت كثيرا من الشكل الذي تخلق عن الفعل الثوري هناك، ونقصد به “كيمونة باريس”، وفي التنظير لقضية الدولة والبدائل.
ما نستفيده من ذلك الحدث المهم، ومن الدروس التي تقدمها لنا الثورة الفرنسية، أن قضية تحطيم جهاز الدولة القديمة، خطوة مهمة، وأن الاحتفاظ بالأجهزة القديمة أو هيكلتها، هو بمثابة احتفاظ بالقديم، فالأجهزة القديمة هي صيغت وصممت من أجل خدمة النظام القديم سياسة وفكرا وأيديولوجية وثقافة، بالتالي فإن افراغ القديم وحشو الأجهزة القديمة بالرؤى والأفكار الجديدة أمر غير ممكن، لأن تلك الأجهزة متورطة في طرق تصميمها مع القديم، لذلك فإن استمرارها يعني القطع مع الثورة، وبالتالي فإن أي حكومة تحتفظ بأجهزة الدولة القديمة التي تعبر عن مصالح القديم، هي حكومة تنتمي في حقيقتها للقديم وليس للثورة كفعل وإرادة من أجل التغيير، وهذا ما ينطبق تماما على حكومة الفترة الانتقالية، التي لم تكتف بالاحتفاظ بجهاز الدولة القديمة بل ودخلت في شراكة معه على مستوى السلطة.
إن من أكثر الكتابات والأحاديث سذاجة تلك التي تتساءل عن سر تمسك الثوار بالتتريس والاعتصامات في المدن، وبطبيعة الحال هم يفعلون ذلك حتى يحافظون على المظاهر الثورية، لا يهم الأدوات والوسائل هنا، اعتصام، تتريس، اعتصام، مواكب، بقدر ما أن المهم هو المحافظة على المظاهر الثورية، وهي تفعل ذلك لأنها تشعر بالفعل بحجم الانحرافات وأن السلطة الانتقالية لا تتمثل بالفعل الثورة، لذلك فإن الجماهير تريد للثورة أن تستمر وتبقى حية، بالتالي تعمل على الابقاء على المظاهر الثورية حتى يكون الشارع هو الحكم وأن تكون السلطة حقيقة للجماهير “كل السلطة في يد الشعب”.
منذ الاستقلال كانت السلطة تنتقل من نظام لإخر دون تحطيم لجهاز الدولة، لذلك بقيت الأنظمة متشابهة عسكرية أو مدنية، والمصالح واحدة ومستمرة، وظل على الدوام هناك من يعانون الفقر والاقصاء والتهميش عن السلطات والثروات، ومن أجل أن تكون الطبقات والفئات الاجتماعية والمهمشة والمقصية ممثلة داخل الدولة الجديدة، فلابد من تحطيم جهاز الدولة القديم، من أجل دولة جديدة للعدالة الاجتماعية والحرية والسلام الحقيقي، ولأن ذلك لم يحدث فلابد إذاً من أن تبقى الثورة مستمرة.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …