
الترويع بالإنقاذ: جلابي واللا ود بلد!
عبد الله علي إبراهيم :
يعد بعض نشطاء الهامش نقدي للحركات المسلحة احتجاجاً على الرزق السياسي الذي وقع لهم بالسلام فحصلوا به على جاه أنفثهم عليه كجلابي مركزي عجوز. ومن ظن ذلك بي لابد أنه جديد في الاطلاع على ما اكتب. فلم أتأخر عن نقد التكتيك المسلح منذ ارتفعت أول بندقية سواء بالانقلاب أو حرب التحرير. فعقيدتنا في حزبنا الشيوعي أن طريقنا لتحقيق هدفنا هو العمل الجماهيري: من الجماهير إلى الجماهير نُعلم الجماهير ونتعلم من الجماهير. فوقفنا ضد العمل المسلح داخل حزبنا حين بشرت به جماعة القيادة الثورية (أحمد شامي) في ١٩٦٣. فاتفق لها أن خطتنا للإضراب السياسي العام التي قررناها في ١٩٦١ لإسقاط نظام عبود صراخ من فوق سطوح البيوت. لن يقع. فما فقدناه بالقوة، في قولهم، لا نسترده إلا بالقوة، أي بمطالعة عبود الخلاء في جبال النوبة. وحدث الإضراب السياسي العام في أكتوبر ١٩٦٤ ولم يبلغ أي من رفاقنا جبل قدير.
وأنشر هنا كلمة منذ ٢٠١٣ في نقد لا الحركات المسلحة فحسب، بل المثقف الجلابي الساكت عن الحق والحركات جمعاء تخرق حتى أعراف الزمالة بين أفرادها. وصار الصمت عادة فيهم.
لعل من أفدح ما ترتب على الحرب المتطاولة أن صار المثقف فاقداً سياسياً كبيراً. وأعنى بهذا المثقف ذا النظر المحيط الذي، في تعريف إدوارد سعيد، يصدع بالحق ويأخذ سائر أهل الشوكة بغير رحمة. فقد فرضت الحرب وتجفيف المجتمع المدني وضعاً صار به المثقف عالة على أطراف المعركة. وكان أكبر رزئنا في المثقف المعارض. فصار في تباعة حملة السلاح في الهامش معطلاً نقده (إن وجد) إلى يوم تسقط الإنقاذ. بل صارت صفة أكثرهم النيلية العربية سبباً للاستحياء من الحق. وأنتهز ثائر الهامش هذه الصفة لترويعهم وإخذائهم ونسبة ما ربما ما يطرأ لهم من حق إلى رجوعهم القهقري إلى “إسلاموعروبيتهم” وبيتهم الإنقاذي الأصيل.
وصار الهامش المسلح عجلاً مقدساً. يفعل ما بدا له ولا معقب. وخضعنا طوال العقود الماضية لابتذال غير عادي باسم الثورية والتغيير جعل السياسة مسرحاً كبيراً للامعقول. ونضرب مثلاً. فبينما تتلاحق الإدانات والرجاءات لحركة العدل والمساواة أن تطلق أسراها (34 عددا) من حركة المرحوم بشر محمد التي انشقت عنها، نشر سيف مساعد، من عتاة إعلامييّ العدل والمساواة، على الإنترنت خبراً حزيناً عمن لقي ربه أسيراً لدي الحركة. فنشر عن إدارة الشؤون الإنسانية بالحركة وفاة المقدم مهدي حامد احمد حمد من منطقة السميح في ولاية شمال كردفان في يوم 24 مايو 2013. وكان المقدم أسيراً لدى الحركة منذ العام 2007 بعد معركة جلجلا في ولاية غرب دارفور. وجاء سبب الوفاة لإصابته في قصف جوي من الإنقاذ على الحركة في معركة أم قرناً جاك.
لم يقبل مساعد ممن قرعه بلطف، أو شدة، على هذا الفعل المنكر. فلا يكفي أنهم أسروا المرحوم لخمس سنوات فحسب، بل عرضوا حياته للخطر باستصحابه إلى ميدان معارك لم يعد له دخلاً فيها. وألقى سيف بعصاتهم المضمونة وهي قولهم إن سجل الحركة في أسراها أفضل من الإنقاذ. ثم جاء وأعوانه بصورة لأسير عليه آثار تعذيب مؤلمة واضحة قالوا إنها من فعل الإنقاذ.
وتدخل صلاح جادات، وهو من عتاة إعلاميّ الحركة أيضاً، ليعلق على صورة لأسير قيل إن الإنقاذ عذبته فقال: “تعالو شوفو بشاعة معاملة الإنقاذ للأسرى”. ودعا أحدهم لكي يأتوا بفديو قرنق، يلحقنا وينجدنا، يخطب في أسرى من الدفاع الشعبي ليعرف الناس نبل الهامش المسلح وعنايته بأسراه. وخطب قرنق يؤمن الأسرى على حياتهم. وبدا لي من دلائل واضحة أن الفيديو من صنع علاقات قرنق العامة. ما همانا. وفي هذا الفديو يفخر قرنق بأنه من فرط عقيدته في الوحدة كان أول قتلى حركته جنوبيين إنفصاليين. ويجد بعضنا في قرنق رأفة بالأسرى ولا يمانع في شرعته في قتل حامل الرأي المخالف.
قال أكاديمي يهودي إن إسرائيل وجدت في الهولكست سبباً لتسير في طريق الرداءة إلى نهاياته القصوى. وجعل مسلحو الهامش من الإنقاذ ذريعة لتنكب الطريق والإفراط في الرداءة. ويقبل مثقفو المعارضة من اليساريين بالذات بتلك الرداءة في الأسر الإجمالي الجزافي طويل المدى العادي، زي الزبادي. ولا يطرأ لهم أن استحسانهم مثل هذا المنطق الفاسد (أينا أبشع: ثوار الهامش أم الإنقاذ؟) هو بداية التنصل عن الثقافة. هو تخثر الذوق. وخيانة الثقافة.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …