سعد أمير طه: معلم بلا حدود
عبد الله علي إبراهيم :
تربطني بالدكتور خلف الله قرشي، اختصاصي الدرن بمستشفى كوستي، مودة نادرة مبعثها محبتنا معاً لأستاذنا المرحوم سعد أمير طه. درسني سعد بعطبرة الأميرية في 1954-55 ودرّسه في آوائل الستينات بمدرسة النيل الأبيض الوسطى. سمعني قرشي أتحدث عنه مرة على الأثير فأتصل فيّ. وكانت تلك الزمالة صدقة جارية لأستاذنا.
زارني ذات خميس يحمل واحتفظ قرشي بأثر من سعد كان وعدني به. وما انتظرت شيئاً مثل انتظاري له. كراسة من العام 1961-1962 لمادة اسمها مختارات للفرقة الثالثة. تكونت الكراسة من ١٨ قطعة أدبية بخط اليد شديد الأناقة جيدة ضبط معظم حروف الكلمات بما في ذلك كسر همزة “إن” وفتحها. جاء فيه ٥ قصائد مشهورة للأخطل الصغير وشوقي وأبي القاسم الشابي، وموشحة للسان الدين الخطيب، وأخيرة مترجمة عن أولفر قولد سميث. وحملت الكراسة ٥ قطع من النثر المشهور مثل خطبة الحجاج حين تولى أمر العراق، وكتاب معاوية بن سفيان لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه. وفيه ٥ منتخبات من مسرحيات هي “الغرام المكنون” لعبد الله الطيب، والباقيات من شوقي هي “مجنون ليلي”، و “مصرع كليوباترا”. ثم هناك ٣ قوائم لأمثال عربية بلغت الستين تحت كل منها قصته وكيف يضرب مثلاً.
سعد أمير أكبر براهيني أن المدرسة السودانية (وربما مدارس أخرى في العالمين) تظلم الطالب ظلماً بيناً. وقد شرحت بعض هذه الفكرة في كتابي “بخت الرضا: التعليم والاستعمار”. أما المدرسة الاستعمارية فلا تعتقد أن للطالب ثقافة ولا محيطاً. فهو في نقص منهما وتريد أن تجرعه هذه الثقافة من مناهجها. وأخذت المدرسة بعد الاستقلال من ثقافة المحيط أكثر فأكثر ولكن بارتجال وفساد ذوق حتى انكشف عوارها. فواضح أن كراسة سعد الخارجة على المقرر جريئة ومقتحمة بل ومجازفة. فهي تكاد تفتح البوابات بين المدرسة والمحيط فلا تعرف أين تبدأ المدرسة ولا أين ينتهي المحيط. فهو حسن الظن بالطالب وبالمحيط معاً.
كان لكراسة قرشي وجهها التطبيقي. فقد كان الطلاب يؤدون مسرحيات شوقي وعبد الله الطيب ربما في أيام الآباء. ويحفظ القرشي مطولات منها. وسعد هو مخترع “التطبيق الأدبي”. كان يضع لنا تطبيقاً أدبياً أسئلته من مثل “أكتب قصة قصيرة تختمها بالمثل القائل وعلى نفسها جنت براقش”. وسألنا يوماً، ونحن في الثالثة وسطى (١٤ سنة) بعد الفراغ من درس فصل من “الأيام” لطه حسين ان نحوله إلى مسرحية. ولم يكن مفهوم المسرحية مفهوماً لدينا. وعدنا جميعاً في اليوم الموعود بالفصل وقد صار نصاً مسرحياً. ولا أعرف يوماً حلواً مراً كيوم عاظلت ذلك الفصل وصار نصاً تحت نظري بما يشبه السحر.
كان سعد مدرساً شاملاً ممشوقاً رشيق الجسد والعقل. قلت عنه مرة إنه من السحر الذي يؤثر. وإذا لم يكن الأمر كهذا: هل من الجائز أن تنعقد مودة بين شخصين في شيخوختهما حول مدرس مضى على تدريسه لهما نحو 50 عاماً؟ وأليس شاذاً إذاً أن يرتبا ليجتمع الأحياء من طلابه قريباً ليستذكروا هذه المأثرة التربوية في وقت إنطفأت فيه جذوة المعلم ومات القنديل؟
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …