‫الرئيسية‬ آخر الأخبار سنكون ذات يوم على خطأ كما النور حمد
آخر الأخبار - رأي - أغسطس 4, 2021

سنكون ذات يوم على خطأ كما النور حمد

أحمد الشريف :

▪️في 2010 قبيل انفصال جنوب السودان، كتب النور حمد، وهو أكاديمي مثقف من أعلام المدرسة الجمهورية، سلسلة مقالات عنوانها “لماذا يصحو مارد الهضبة ويغفو مارد السهل” عن أسباب النهضة الإثيوبية والتخلف السوداني.
▪️تلك الفترة كانت في إثيوبيا السنة الأخيرة للزعيم الإثيوبي ملس زناوي، وكانت قد وصلت سياساته التحويلية بإثيوبيا إلى مرحلة مثيرة للإعجاب خارجيا، والرضا داخليا. وتحقق إثيوبيا معدلات نمو قياسية. أما في السودان فكانت قضية القضايا هي استفتاء الجنوب، والحرب الأهلية في دارفور. كانت تلك أيضا آخر سنوات النفط وحالة الرخاء غير المسبوق الذي خلقه.
▪️أهم القضايا في تلك المرحلة كانت المتعلقة بالهوية وعلاقة الدين بالدولة. تراجعت أهمية هذه القضايا وإلحاحها حاليا كثيرا، عدا عند بعض من لا يزالون يعيشون في تلك الفترة ذهنيا والذين لا يمكنهم مغادرتها أبدا من أرباب المذاهب، وأصبحت قضايا مثل بناء الدولة، وقضايا الديمقراطية والمشاركة، وسؤال التنمية والمجتمع المدني، أكثر إلحاحا وراهنية.
▪️أرجع النور حمد نهضة إثيوبيا إلى تجريدات وتأملات ترتبط بالسمات الثقافية والروحية والاستمرارية الحضارية، وعزا تخلف السودان للانقطاعات الحضارية والتأثر بالأصولية الدينية وبالاستعمار والعقل والثقافة الرعوية كما أسماها لاحقا.
▪️كانت الأرقام والمؤشرات الاقتصادية، وانطباعات الزوار من العالم وبالذات من السودان الكئيب تقول أن كل شئ رائع في الجارة الشرقية. كان النمو الاقتصادي هو الرماد الذي ترقد تحته النار الإثيوبية التي اندلعت الآن، كان من الصعب رؤيتها ذلك الحين، لم تكن ثمة ضرورة لرؤيتها، من الأكاديميين الغربيين الباحثين عن نموذج أفريقي مغاير، والافريقانيين أصحاب النظرة الاستشراقية لإثيوبيا التي تختصر ثقافتها وتاريخها في تاريخ وثقافة قومية الأمهرا [والتغراي] والكنيسة الأرثوذكسية، ومعركة عدوة المبالغ في أسطرتها، والمنظور إليها كأمر خارق، رغم أن أنصار المهدي في السودان، وقومية الأشانتي في غانا، قد سبقوها في هزيمة الاستعمار، دون مساعدة غربية. كما لم تكن ثمة حوجة لمثقف سوداني غارق في تفكير الهوية والدين والدولة ويعد هذه القضايا أساس مشاكله للنظر للجوانب الأخرى في إثيوبيا. الجوانب التي أصبحت الان هي الجانب الرئيسي.
▪️سنكون ذات يوم على خطأ كما النور حمد الآن، إذا افترضنا ان وعينا الخاص هو وعي التاريخ. إذا أصررنا على النظر للقضايا من زاوية واحدة، إذا اهملنا أحد الجوانب لأنه غير ملح أو غير مرئي، إذا افترضنا أن ماهو غير مرئي لنا غير موجود وغير مؤثر.
▪️والمؤسف أننا لن نرى أوسع من حدقاتنا، حتى لو نظرنا بشكل جماعي ومتزامن ومتعدد المنطلقات والمناهج، ولن نعرف أبدا ما تحجبه غيوم الحاضر. لأن خوارزميات عمل التاريخ نفسها تتغير.
▪️في آخر ماكتبه عن إثيوبيا، وجد أليكس دي وال الفرصة سانحة للتقدم في أراضي خصومه النظريين، أصحاب النظرة الرومانسية لإثيوبيا والاستثناء الإثيوبي، وإزاحة الرؤى المرتبطة بالديناميات الحضارية والثقافية، وإحلال رؤيته الخاصة المتعلقة بصراعات الموارد والديمغرافيا محلها. مع مكانة مميزة لعصابه الخاص، عصاب المجاعة. وأليكس دي وال أكاديمي وناشط بريطاني في أواخر الشباب، يكتب كثيرا عن السودان وتشاد ثم القرن الأفريقي اصبح كثير من مثقفي هذه المناطق ينظرون لأنفسهم بعينيه الزرقاوين. وهو أيضا ناقد لنقد الاستشراق ودراسات مابعد الاستعمار.
▪️والنظرة الرومانسية لإثيوبيا أمر من الخطورة بحيث تسبب في كوارث مفجعة في إثيوبيا نفسها، على يد الإثيوبيين الذين اعتنقوا صورة الغرب عنهم، من الإمبراطور هايلاسيلاسي وحتى ابي أحمد. تنشأ الحروب في إثيوبيا لإزاحة كل ما يعكر صفو مثالية واستثنائية إثيوبيا، لاسكات كل ما يشكك في هويتها الموحدة المميزة، هويتها التي لم تعد تعني حاليا سوى الأمهرا الأرثوذكس. تستطيع أن ترى الأرثوذكسية في طريقة مشي “الإثيوبيين”، وأكلهم، وكلامهم وجلوسهم وتفكيرهم. ومن الصعب جدا أن تكون مسلما أو بروتستانتيا مثل ابي احمد وإثيوبيا في الوقت نفسه. ولذا لا تجد فكرة ال Pan-Ethiopianism صدى وأتباع مخلصين من غير الأرثوذكس الأمهرا.
▪️تبدوا نظرية دي وال جيدة للغاية وتفسر أكثر من نظرية إثيوبيا الاستثنائية التي أُعلن إفلاسها رسميا الآن – خارج إقليم الأمهرا- لكن هذا يجب أن يثير فينا جنون الارتياب. علينا أن نخشى النظريات التي تبدوا جيدة، التي لا نجد فيها ثغرة واحدة، علينا أن نجتهد في تكذيبها، ان لا نركن للطمانينة التي تخلقها، فمهمة الفكر هي خلق القلق وإزالة العادية عن العادي وخلق مشكلات دائمة Problematisation

‫شاهد أيضًا‬

الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش

كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …