كلمة في الخؤولة الشعرية لمحمد المكي إبراهيم
حاتم الكناني:
حين وقعت في يدي المجموعة الشعرية (يختبئ البستان في الوردة) للشاعر محمد المكي إبراهيم، كنت في مقتبل الشعر، وكانت ذاكرتي شديدة الحفظ والتأثر والميل إلى تقليد عيون الشعر العربي القديمة والحديثة، ولم تنهض بعدُ قريحتي لتستوعب الخدش الذي تسببت فيه قصيدة التفعيلة من لدن الكأس التي تحطمت لعبد الله الطيب واجتراحات السياب وصلاح عبد الصبور، ونازك الملائكة وقضايا شعرها الحر. كان التقليد حد التمدرس الذاتي على كتابة القصيدة يبرز أولا في كتابتي، حتى أن ذلك ليبدو جلياً حين قرأني أبناء جيلي في الشعر في أوائل الألفية.
يحدث للشاعر، في يفاعته، حين يقرأ تجربة مؤثرة عليه أن تعيد إنتاج تصوره للشعر، وبذا فالشاعر الحق في تقديري، تكون قصيدته طبقةً تسهم في تكوينها طبقات من تجارب الشعراء تتراكب بعضها فوق بعض، حتى يخرج مارده منها ليبني هرم التجربة بناءً خاصاً بعد تيهه العظيم في بيداء الشعر.
ربما حفظت أغلب قصائد الديوان، ومن ثم نسيتها، عملاً بوصية أبي نواس لأحدهم بحفظ ألف بيت ثم نسيانها.. ورغم النسيان، إلا أن العذوبة والسلاسة الشعرية في تلك المجموعة (يختبئ البستان) ظلّت طازجة في وجداني، حتى أن الدهشة الأولى بقراءة المجموعة لم تزل حاضرة لدى كل قراءة له.
أذكر فيما أذكر، أنني ذهبت حاملاً قصيدتي للشاعر والمحرر الثقافي أستاذنا الصادق الرضي، حين كان مشرفاً على القسم الثقافي بصحيفة الأضواء – رحم الله أيامها – وعندما قرأ القصيدة لم تَفُتْ عليه الإشارة إلى تأثري بمحمد المكي، ولم أنفِ في دخيلتي الأمر، رغم اجتهادي في إخفائه وأنا أنسج قماش قصيدتي تلك – ربما واعياً وربما لا – محاولاً إخراج ماردي من قمقم التأثر.
من الشعراء من يرثون الصنعة المبهرة مع السلاسة عبر قيد الإيقاع، في آن، فتراهم يرقصون بانسياب في القصيدة وكأنهم يشربون الماء، فيملؤون قوارير القصيدة من النهر العذب السائغ؛ ومنهم من يحفرون نقوشهم في الصخر فتتبين القصيدة تمثالاً خالداً.
والقصيدة لدى شاعرنا محمد المكي شاملة للحسنيين: تحتفي بالبساطة العميقة، وفي قاعها تشكيلة من الكائنات البحرية، وعلى السطح تبدو مرآة الواقع عاكسة وجه الشعر والشاعر والحياة.
أزعم أن لي نسباً شعرياً ينتمي للخؤولة مع قصائد شاعر محمد المكي، والخؤولة، لو علمتم، جنس من الأمومة لكنها مُذكّرة.
وأزعم أيضاً أن تأثير (يختبئ البستان) – رغم أنه نقطة من بحر محمد المكي – لم يزل حتى الآن يطبع تصوري الشخصي عن كتابة الشعر.
أظن أن أول أثر تركته المجموعة هو عنوانها الخافق بأسرار الوردة: يختبئ المُعقّد في البسيط، والكثرة في الوحدة، والتنوع في الجنس الواحد، مما أشرت إليه في هذه العجالة الاحتفائية:
تختبئ الأشياء في وجودها
والأرض في حدودها
وتسكن المعاني اسماءها المشجرة.
تبدأ المجموعة برثائية رقيقة لأحد أعمدة الشعر السودانية في القرن العشرين – محمد المهدي المجذوب – مروراً بــ(مدينتك الهدى والنور) – متلبسة بإيقاع المدائح النبوية في السودان – وتنتهي بالقصيدة التي اُجْتُرح منها العنوان، وهي تمثيل لفكرة المجموعة وفلسفة الشاعر في الكتابة والنظر إلى الحياة.
تساؤل القصيدة الواقع بحرارة:
ستقولون باسم الإله الرحيم
انتضينا السيوف لنعملها في زمان الجهالة
وأسائلكم: أين صك الوكالة؟
من أقامك يا حامل السيف ربا على الناس والله حي
يدبر أمراً ويمكر مكراً كبيراً
تعالى
ورغم اختلاف مواضيع الكتابة الشعرية في المجموعة ظاهراً، إلا أنها تسيل من ينبوع واحد، ينضح بالشفافية والسلاسة والأناقة المتعذرة.
قصائد من رهافة وجدها
شقت جليد الصخر واجتازت عباب الماء
قوافل ما انقطعن عن السرى.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …