‫الرئيسية‬ آخر الأخبار نحو حساسية انسانية تجاه قضايا العمالة المنزلية
آخر الأخبار - أبريل 18, 2022

نحو حساسية انسانية تجاه قضايا العمالة المنزلية

رقية وراق:

كتبت الأستاذة ناهد جبر الله، على صفحتها في موقع فيس بوك، في السابع من ابريل الحالي ما يلي عن تعرض منزلها لحادثة سطو من قبل مجموعة مسلحة:
“الامن و الأمان في ظل حكم المليشيات…
أود ان أبلغكم عن حادث سرقة تعرض له منزلنا في شمبات مربع ١٨ ( البراحه) صباح اليوم.
حضر خمسة اشخاص مسلحين بسواطير وقضبان حديد في حوالي الساعة التاسعة الا عشرة صباحا، قفز أقصرهم اعلى بوابة المنزل وفتح الباب للبقية.
اقتلعوا موتور الماء ثم هجموا على موتر يخص ضيف كان معنا بالمنزل واقتلعوا بطاريته، ثم اصبحوا يجولون داخل حوش المنزل فيما يبدو انهم كانوا يبحثون عن ثغرة للنفاذ الى الداخل، علما بان العامله في المنزل كانت صاحية بالداخل الا انها لم تشعر بهم.
الحمد لله شاهدت جارتنا في المنزل المقابل لمنزلنا مباشرة المنظر باكمله بعد ان لفت نظرها طفلها الذي صادف انه كان ينظر للشارع من خلال نافذة شقتهم من الطابق الثاني المواجهة تماما لمنزلنا من منزلهم وافزعه ما شاهده ونادى والدته.
ينطبق وصفها لمن شاهدتهم على ما يسمى بتسعة طويلة. اربعة منهم طوال القامة واقوياء جداً، وكانوا يتصرفون بكل هدوء (رغم صياحها العالي) وكانوا جميعا يحملون حديد في ايديهم، سواطير او قضبان.
اضطررت لكتابة هذا الوصف الدقيق لتقفوا على مدى الخطر الذي يمكن ان يتعرض له أي منا.
#لاتفاوض_لاشراكة_لاشرعية”
مع تأكيد الحرص البالغ على ان الانفلات الأمني الذي بحدث بالبلاد هو امر لا يجب التهاون فيه ، وان التصدي العاجل له هو احد أولى الأولويات الراهنة، والتضامن الواجب مع ناهد وأسرتها الا ان ما انا بصدد الكتابة عنه هنا، هو مزيج حزن وصدمة واستياء، حيث ان ناهد قد اسهبت في في ايراد كل التفاصيل المادية المتعلقة بمصالحها ومصالح أسرتها ولكنها لم تعر الأهم والأكثر حساسية في كل الأمر ، ولو انتباهة او ظل انتباهة. لم تذكر ناهد ولو لمرة واحدة، ان روح إنسانة بريئة كان يمكن ان تزهق في منزلها دون ذنب سوى كونها عاملة فيه تقوم بخدمتها ورعاية مصالحها. لا تشير مديرة مركز يختص بحماية النساء والاطفال ولو عرضا الى الكارثة التي كان يمكن ان تحيق بالعاملة التي شاءت العناية الالهية الا تشعر بوجود المجرمين المسلحين في منزل مخدمتها فكُتبت لها النجاة. تذكر ناهد بصورة عابرة تطلبها وصف (وضع) المنزل الذي كان عليه ابان الحادثة فتقول:
” علما بان العاملة بالمنزل كانت صاحية ولكنها لم تشعر بهم”
ماذا كان يمكن ان يحدث لهذه الانسانة لو كتب لها أن (تشعر بهم)؟
ماذا عن احتمال فقدانها لحياتها او لصحتها العقلية والنفسية بالكامل لو أنها شعرت بهم وتصدت لهم – وهو مانفهم انه كان توقع مخدمتها- دفاعا عن بيتك ومصالح أسرتك يا ناهد؟
هل ذلك كل ما كان يستحقه أمر هذه الانسانة؟ “علما بأن “؟وكأني بك يا سيدة المنزل تكتبين عن وسيلة حراسة منزلية او منبه لم يعمل كما يجب؟
ليت العاملة بمنزل ناهد جبر الله، وجدت واحدا بالمائة مما وجده موتور المياه الذي يخص ناهد، او بطارية الدراجة النارية التي اقتلعها اللصوص المسلحون بالحديد من سواطير وقضبان كما جاء في الوصف، وهي تذكر بوضوح انهم كانوا يبحثون عن ثغرة للنفاذ للداخل، الداخل هنا يعني ممتلكات ناهد ، ولا يعني تلك الروح الموجودة فيه. (داخل) هذا البيت كانت توجد انسانة غافلة عما يدور بالخارج وهي تقوم باعبائها اليومية. هذه (الثغرة للنفاذ الى الدخل) كان يمكن ان تعني نهاية الحياة حرفيا لهذه العاملة أو نهايتها كما عرفتها على الأقل قبل هجوم رجال مسلحين عليها وحيدة بالداخل.
تُمعن ناهد في تقديم وصف كامل الدقة لموقع الجيران الذين كانوا سبباً في كشف وفرار المجموعة المسلحة، ويتضمن ذلك ايراد تفاصيل عن طفل شاهد فيلم الرعب المهول بأكمله، دون أن تذكر كلمة واحدة عن حاله بعد الصدمة النفسية التي تعرض لها، ولا تأبه انها تقدم تاكيداً دقيقاً لهؤلاء المجرمين أو غيرهم ، عن موقع منزل الطفل وأمه دون أن يطرف لها جفن في خضم انشغالها بامر منزلها. كل ذلك فيما تشغل ناهد منصب مديرة مركز يختص بحماية حقوق النساء والاطفال.
عندما سال المشاركون في المنشور صاحبته عما فعلته بعد الحادثة، ردت عليهم بقولها:
“قفلنا بيتنا ونشرنا.. وراجعنا التقفيل”
مرة اخرى، ولا كلمة واحدة عن العاملة ولا الطفل ولا امه، رغم ان مُشارِكة كتبت مخاطبة اياها:
” لا حول و لا قوة الا بالله. سلامة و كرامة يا نعد و ربنا شافكم و لكن الله يستر فليس كل مرح تسلم الجرة و الحكاية دي ماشة في سوء حال و تطورات سريعة و مريعة. اذا اردت ان تظلم صغار قوم فيكفيك ان تروعهم بما رآه هذا الطفل الذي سيصاب بكوابيس مما رأى و سيخشى حتى ظله. خسارة السودان و يا اسفي عليه و يا خوفي على أهلي”
كما كتبت مُشارِكة أخرى :
” حمد لله على سلامتكم وسلامة العاملة.. كان ممكن لو دخلو ياذوها.. بلد ما فيها أمان.”
كل ذلك لم يثر او يجذب قدرا من اهتمام ناهد صوب العاملة على وجه الخصوص، كيما تنتبه لو لم تكن قد انتبهت سابقا وهو مما ليس له ما يبرره.لم تكتب ناهد ولو عرضا، كلمة واحدة حول مسؤوليتها المباشرة عن سلامة وامن العاملة وبعثت برسالة ضمنية تتماهى مع المتوافق عليه مجتمعيا من الفئات الأقوى والغالبة ، من انها مركز الاهتمام وان قصتها هي ما يجب الاستماع اليه وان ضعيفة او فقيرة لا وجود لها في دائرة الضوء حتى لو كانت هي من كانت على حافة الخطر الحقيقي.
لو أن ربة منزل ميسورة الحال، شكت من تعد اللصوص على منزلها الجميل، وممتلكاتها الثمينة، المنزل الذي ينعم المرفهون فيه بامتياز العمالة المنزلية كأحد أوجه هذه الرفاهية ، لما لمناها على تجاهلها لانسان أوشك ان يتعرض للموت في ذاك المنزل، ولكننا نغضب ونلوم ناهد التي (تنعم) بهذه الخدمة التي دائما ما يكون قوامها المضطرات لهذا النوع من التوظيف في بلد مثل السودان ويشمل ذلك النازحات واللاجئات من بلاد الجوار وبقية الفئات الأضعف في الهرم الاجتماعي، اضافة إلى تنعمها بوظيفة كبيرة باسم النساء والاطفال، قادت إلى فوزها بجائزة بعثة الإتحاد الأوروبي بالخرطوم لحقوق الانسان ، وبحق دائم في تمثيل الفقراء والكادحين كونها تنتمي لحزب مثل الشيوعي السوداني.
لم تتذكر ناهد جبر الله فقرا او طفولة او مسكنة وحماية عندما جد جد مصالحها الشخصية التي تعرضت للخطر، فلم تتكرم ولا بحمدلة السلامة المتعارف عليها عندما ذكرت العاملة. وافكر: ماذا كان سيكون الحال لو ان ناهد هي من كانت ب(الداخل)؟ هل كانت ستكتب بلا مبالاة :
(علما باني- سيدة المنزل، بامتيازاتي واستحقاقاتي المعروفة – كنت صاحية بالداخل ولكني لم أشعر بهم)؟
رأيت لناهد عشرات الصور ، تبدو فيها في أتم زينتها، وهي تقف جوار الضعفاء من ضحايا الانتهاكات المجتمعية من النساء والأطفال عبر أنشطة مركزها تعلن فيها عن وظيفتها و عما قامت به لأجلهم، ولكني للأسف ، لم أر لها أصدق من هذه الصورة الأخيرة.

‫شاهد أيضًا‬

الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش

كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …