‫الرئيسية‬ آخر الأخبار فن الخداع والسواقة بالخلا
آخر الأخبار - مايو 4, 2022

فن الخداع والسواقة بالخلا

معتصم اقرع:

الكذب ليس الطريقة الوحيدة لتضليل الرأي العام وتشويه الحقائق، ولا هو الطريقة الأكثر فاعلية.
الدعاية الفعالة تتجنب الأكاذيب البحتة وتفضل تضليل الرأي العام من خلال طريقة تأطير القضية.
يمكن تحقيق الخداع بنجاح بإعادة ترتيب الوقائع ورواية القصة بطريقة معينة والتأكيد على أجزاء وإبعاد جوانب أخرى وإخفاء وقائع حدثت، ولكنها تشكك في هدف الرواية مع تكرار الأجزاء المناسبة وتوزيع الضوء والعتمة بمقدار.
على سبيل المثال، كما حكي لافروف، أن امرأة ليتوانية كانت جالسة بجانب النهر بينما كان ابنها الصغير يسبح. ليس بعيدًا جلس رجل روسي على مقعد يحتسي فودكا يضرب بها المثل. وفجأة صرخت المرأة، نظر الرجل الروسي ورأى تمساح يقترب من الصبي الصغير الذي لم يكن منتبهًا. قفز الرجل الروسي في النهر، وأمسك بالصبي وسبح به إلى بر الأمان. بالطبع شكرته المرأة الام وأدتو شبال وامتدحت شجاعة وتضحية الرجل الليتواني. قال الرجل لكنني روسي. في اليوم التالي، جاء في عناوين الصحف اللتوانية والتلفزيون أن “سكير روسي يحرم تمساحًا ليتوانيًا من العشاء”.
بالطبع لم تكن العناوين الرئيسية كاذبة لأن الرجل الروسي بالفعل حرم التمساح الليتواني من العشاء. ولكن كانت تلك العناوين أسوأ من الأكاذيب، اذ انها تلاعبت بالرأي العام وضللته وجعلت من الرجل الروسي مجرما والتمساح ضحية.
وفي الثانوي العالي خنق صديقنا الأستاذ كبريت ولما أتوا به الي مكتب الناظر للتأديب أصر انه لم يخنق الأستاذ، ولكنه فقط امسك برقبته.
في الحقيقة ليست كل التمارين في فنون التضليل بهذا الوضوح أو الحدة، في كثير من الأحيان تكون تفاصيل السواقة بالخلا دقيقة ويصعب اكتشافها.
بالعودة إلى السودان، بدلاً من القول إنك نفذت البرنامج الاقتصادي الذي رفضته انت في مؤتمراتك الصحفية ورفضه الشعب عام 2013 وقاومه بأكثر من 200 شهيد، يمكنك القول إنك تمكنت من إعادة السودان إلى مجتمع التنمية الدولي – لاحظ التأطير والصياغة.
أو يمكنك اهدار السيادة الوطنية بتنفيذ جميع الأوامر التي تتلقاها من الخارج ثم تحكي عن انجاز وألمعية إعادة السودان من 30 عامًا من العزلة الدولية.
أو يمكنك إبرام صفقة مع الميليشيات الاستبدادية الإفسادية المعادية للديمقراطية والتي لا تمثل شعوبها، وتدفع لها اتاوة سنوية وفدية، وتسلمهما مفاصل السلطة المالية والسياسية الرئيسية، وتبيع ذلك على أنه انجاز بديع في تحقيق السلام.
أو يمكنك تفجير التضخم الشهري من اقل من 50 في المئة إلى أكثر من 400 في المئة، وإذا ارتفعت الأسعار في الشهر التالي بنسبة 399 في المئة، يمكنك الاحتفال بنجاح سياسة اقتصادية عبقرية.
أو يمكنك تدمير سعر صرف الدولار من أقل من 70 جنيهاً إلى أكثر من 450 جنيهاً وإذا بقي عند هذا المستوى لعدة أشهر يمكنك التباهي بهكذا إنجاز تاريخي.
أو إذا كان السقف الأوحد للسياسة الاقتصادية التي تبنيتها هو ارضاء الأجنبي وجذب صدقاته يمكنك ان تباهي بان جولات مد القرعة اوشكت ان تجيب مريسة تامزينو ولكن الانقلاب عكر مزاج المحسنين.
هكذا فإن الكذب ليس هو السبيل الوحيد للخداع والسواقة بالخلا، فهناك ما هو أسوأ من الكذب.
وهذا هو السبب أن المطرب السوداني لم يعاتب الاكس بالقول لا تكذب، ولكنه قال لما تحكي ذكرياتنا كنت تحكيها بأمانة.
المهم، كما قال الشيخ نعوم تشومسكي، على الجميع تلقي كورسات في فنون الدفاع عن الذات الفكرية لأنه، كما قال حاج مالك الشعباذ، المعروف بمالكوم اكس، “إذا لم تنتبه، فستجعلك الصحافة تكره من يتعرضون للقمع، وتحب من يقومون به.”
وأخطر من الجاهل ذلك الكائن الذي لا تتعدي ثقافته حدود اعلام التيار الرئيسي من محطات تلفزيون وصحف تعبر عن وجهة نظر ومصالح القوي المهيمنة ماليا وسياسيا وفكريا.

‫شاهد أيضًا‬

الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش

كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …