آخر الأخبار - يونيو 27, 2022

ليه مازرعناش؟

د. محمد صديق العربي:

كتب رئيس تحرير صحيفة التيار الأستاذ عثمان ميرغني بعموده حديث المدينة بتاريخ 19 يونيو، معلقا على حديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن جارة لمصر بها عدد 200 مليون فدان صالحة للزراعة وغير مزروعة (مازرعوهاش ليه ؟؟!) هكذا تساءل السيسي في اللقاء وبالتالي وجه رئيس تحرير صحيفة التيار السؤال لمن يهمه الامر وطالب الإجابة من المختصين الزراعيين من حملة الشهادات العليا وكذلك رجال الاعمال والمستثمرين وكبار المزارعين.
الإجابة على سؤال السيسي لا تحتاج الى عالم او متخصص، غالبية اهل السودان اما مزارعين او أبناء مزارعين، كما ان مشاكل التنمية في السودان يتحدث عنها الصغير قبل الكبير وليل نهار، دعنا عزيزي الأستاذ عثمان نحاول ان نجد بعض الإجابات على السؤال ليه مازرعناش؟!
المشاريع المروية في السودان لا تتجاوز 5 مليون فدان، بينما الزراعة المطرية تتجاوز 40 مليون فدان والزراعة الالية بنظام المحاور وهو النظام الأكثر انتاجا Modernize Agriculture Technology وعلى احسن الفروض لا تتجاوز 1.5 مليون فدان فقط ، وبالرغم من كل هذه المساحات المزروعة الا ان السودان لا يوفر كل مايحتاجه من غذاء ويستورد سنويا أطنان من القمح والأرز والسكر وخلافه ؛ هذه الارقام غير دقيقة تم جمعها من المشاريع الزراعية القديمة والحديثة المعلومة ومعلنة وقد تكون هناك مشاريع حاليا تزرع نصف او ربع مساحتها الكلية او خرجت من دائرة الإنتاج ، كما ان المساحات المزروعة بالمنازل فيما يعرف بالجباريك غير متضمنة بالحصر.

فى حقبة زمنية سابقة انفق السودان على ما أطلق عليها النفرة الخضراء والتى اهدر فيها السودان ما يقارب الثلاث مليار دولار؛ من حيث فكرة مشروع استرتيجي بانشاء محاور للري فى مناطق ذات الاراضي الضعيفة او الفقيرة مثل شمال السودان او نهر النيل ممتازة، الا انه لو حاولنا حصر الأخطاء والفساد الذي صاحب هذه النفرة نحتاج الى مقال منفصل ولكن نوجز بالاتي:-

1. واحد من المشاريع التى صرفت عليه الاموال مشروع يتبع لاحد الجهات النظامية فالنسميه فرضا( مزاجنا)، بالتالي تم توزيع المحاور على الرتب العليا والموالين للنظام السابق والتى كان مصير جزء منها الاهمال او البيع او الاستئجار اوبعضها سُرق قبل مرحلة التركيب.
2. حدوث انهيار كامل لواحدة من محطات ضخ المياه من النيل وابتلعها النهر بالكامل.
3. عدم متابعة الدولة للمحاور وعدم الزام المزارع او المستثمر بزراعة محصول معين (يكون توجه الدولة بناء على توقعات درجات الحرارة والاكتفاء الذاتي)، لو تم الاشراف الصحيح عليها فما تنتجه مليون ونصف المليون فدان من الأراضي المزروعة بالمحاور اعلى بكثير من انتاج الاربعين مليون فدان بنظام الرى المطري.
4. عدم تقسيم الاولويات فمثلا بعض المناطق تم تركيب محاور فيها ولم تصل اليها الترعة المقترحة وصاحبت المشروع كثير من التعقيدات الادارية مثل اعتراض اهالى بعض المناطق او عدم توصيل الكهرباء لبعضها وفي فترة سابقة اعتمدت على التوليد بالمولدات ومؤخرا مع تحرير سعر الجازولين اصبحت غير مجزية او حتى التى وصلت اليها الكهرباء حدثت فيها حمولة زائدة.
5. كان المقترح ان يصل عدد المحاور إلى 5 الف محور وعلى مرحلتين ( مزاجنا1 ومزاجنا2) وحتى الان لا يتجاوز العدد الف محور والذي يعمل حاليا لا يتجاوز 200 محور.
6. لا يتبع في المحاور عمل ممنهج ومدروس انما هدر كما ذكرت احدى المنظمات الدولية بان السودان اسوا دولة هدرا لمواردها، وقس على سبيل اهدار كميات كبيرة من المياه الجوفية ( المحور فى الدقيقة الواحدة يستخرج آلاف اللترات من المياه) لزراعة برسيم او رودس!!!! ، تعمل المحاور بلا رقيب او حسيب فبعد تسليمها لا تشرف عليها اي جهة، والمؤسف مؤخرا تم استخدام مواد سامة وممنوعة دوليا فى الحفر وكما قال مختص فى المجال ( لو تم زراعة بنقو فى المكان الدولة لا تسال).

بالرغم من توفر اهم عاملين لقيام مشاريع زراعية كبيرة (الاراضي الصالحة للزراعة وتوفر المياه) الا ان السودان لم يستطيع استقلال كل المساحات القابلة للزراعة وتحقيق شعار السودان سلة غذاء العالم لعوامل ثانوية والتي اقعدت السودان من التوسع في هذا المجال وهي: –

1. غياب التمويل او تأخره قبل بداية الموسم الزراعي.
2. ضعف استخدام التقانات الزراعية.
3. ضعف البنية التحتية.
كما ان هنالك عوامل أدت بدورها الى العوامل الثانوية المذكورة انفا ونذكر منها: –
1. الحروب الداخلية الطويلة والمزمنة
2. التكالبات السياسية والمحاصصات الحزبية بتولي الحقائب الوزارية والمناصب السيادية والتي لا تخدم المصلحة العامة.
3. غياب الرؤية الاستراتيجية.
4. عدم الاستقرار السياسي ولفترات طويلة.
5. عدم دعم الدولة للزراعة والمشاريع الزراعية بصورة كبيرة بحجة ضعف الموارد او عدم استقلالها بالصورة المثلى المطلوبة.
منذ تولى عبد الفتاح السيسي الحكم في مصر في العام 2014م قامت دول الخليج بتقديم دعومات مالية مباشرة وبعض التقارير تتحدث عن تجاوزها بأكثر من مائة مليار دولار، كل هذه الدعومات دخلت في البنية التحتية وابسط مثال لها مطار القاهرة الجديد الذي تم افتتاحه في العام 2018م وكما انه سيتم افتتاح مطار دولي جديد منتصف هذا العام ( اللهم لاحسد)، وعدد مقدر من المواني البحرية وكثير من مشاريع البنى التحتية خلاف الطرق وخطوط السكة حديد والعاصمة الإدارية الجديدة، ماذا لو قُدِم نصف او ربع هذا المبلغ للسودان في مشاريع البنية التحتية والمشاريع الزراعية!
يقودنا الحديث أيضا الى ما صرح به رجل اعمال سوداني عن الشراكة بين مجموعته ودولة خليجية مهتمة بمجال الموانئ البحرية عن توقيع شراكة بانشاء ميناء جديد في السودان على البحر الأحمر شمال الميناء الحالي، ومنطقة للتجارة الحرة ومشروعا زراعيا كبيرا في مدينة أبو حمد، ومطار دولي صغير، وطريق بطول 500 كيلومتر يربط المشروع الزراعي بالميناء بتكلفة تقدر بــ 450 مليون دولار. حتما مثل هذه المشاريع تساهم وتساعد السودان ودول الإقليم وخاصة المنطقة العربية بتامين الغذاء الاوفر والارخص والاسرع وصولا، اذا نُفِذت بما هو معلن لها، اما اذا كان المشروع عبارة عن امتداد لمشروع آخر يتبع لنفس الدولة فلا خير يرجى من هذه الشراكة فهى تقوم باستهلاك مياه السودان الجوفية لزراعة البرسيم واعلاف الحيوان ويتم تصدير كل المنتج خارج السودان فيما عدا التالف منها يباع داخل الاراضي السودانية، واسوة بالذي حدث فى المشروع الاول باستجلاب كل القوى العاملة من خارج السودان وبالرغم من ان السودان رائد فى مجال الزراعة والتصنيع الغذائي ولديه ابناءه فى كل بقعة من ارض العالم ويحملون التخصصات الدقيقة والاداء العالى، لذا وقبل البدء فى تنفيذ مثل هذه المشاريع يجب ان يخضع لرقابة وزارة العمل وتخصيص النسبة الاعلى من الوظائف للسودانيين والفيصل يكون الشهدات والاداء، عموما لا يثق الشعب فى الحكومة التنفيذية الحالية اذا ما بدا العمل بالمشروع فى الوقت الحالي بان الاتفاقيات المبرمة سوف تحقق منفعة للسودان ولكافة شعوب العالم ولذلك يطالب الشارع بتكوين المجالس التشريعية الثورية التى تراقب مثل هذه الاتفاقيات والمشروعات وخاصة التى تستنزف موارد السودان وتكون المحصلة منها صفر.
وعلى غرار الحرب الروسية الأوكرانية يجب على الدول العربية الإسراع والالتفات الى السودان، ففي حالة حدوث ازمة غذاء عالمية لن تستطيع اغنى دولة من تامين غذاءها، ولن يشمت العالم على السودان وحده اذا ما جاع اهله فسيكون للدول العربية نصيب من الشماتة والسخرية، واذا عجز الوطن العربي عن تامين غذاءه سيكون عرضة للابتزاز السياسي والاقتصادي وحينها لن ينفع الندم فيجب على الخليج فتح خزائنه على مصرعيها للسودان.
يستطيع السودان تقديم كافة المنتجات الزراعية مثل الحبوب الزيتية من الفول السوداني وزهرة الشمس وفول الصويا والأرزوالذرة الشامية والقمح والقطن والبقوليات والبطاطس والبطيخ والشمام، مشروع سكر كنانة التابع للهيئة العربية للاستثمار والانماء الزراعي يعتبر من انجح المشاريع بالوطن العربي ويقدم لكثير من الدول سكر القصب، والتوسع الزراعي يقابله ايضا التوسع في تربية الحيوان وبالتالي تامين المنتجات الحيوانية وإنشاء المصانع والتصنيع الغذائي للمنتجات الزراعية والحيوانية ولن يجوع بعدها الوطن العربي، فالحرب الحرب الروسية الأوكرانية إذا ما امتدت لدول أخرى فمن يفزع الاشقاء العرب غير السودان؟!

‫شاهد أيضًا‬

الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش

كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …