‫الرئيسية‬ آخر الأخبار في حياة رمَّاح، في حياة موته الهناك
آخر الأخبار - أغسطس 14, 2022

في حياة رمَّاح، في حياة موته الهناك

بابكر الوسيلة:

لا موت، هنالك فقط تبديل عوالم.
بهذه العبارة الفلسفيَّة، لخَّص الهنديُّ الأحمر سياتل هذه الألعوبة الغامضة. وأنا بهذا المعنى أستحضر “البرِش” الذي كنَّا نفترشه أمام بيته العامر بالأهل والأصدقاء كعادة أولياء الله الصَّالحين في الأرض دائماً، أقول أستحضر كامل جسده بتموُّجاتٍ رنَّاتٍ ضحكاته وقفشاته وحتَّى دقائق ملامح حزنه المؤقَّت أو جداول حزنه العميق. لم يكن “البرِش” مجرَّد مكان للالتقاء فحسب، بل صدراً مفتوحاً لعناقات حارَّة وتبادلات متأمِّلة، صدراً فتحنا عبره كوَّات للعالم مضيئة. تبادلنا أفراحنا وجراحاتنا الصَّغيرة منها والكبيرة، وتبادلنا القلب والكتاب والحُبَّ والشَّاي والقهوة وأوتار الصَّمت ودمَ المواكب التي جاءت، والمواكب التي لم تأت بعد. تبادلنا حزمة ذكرياتٍ تكفي عمراً كاملاً لتظلَّ الرُّوح في توازنها والقلب راعياً للطَّلاقة والدَّفق.
عانقتُ هذا الرُّجل السُّودانيَّ الأصيل زمناً عزَّ أن تفتح فيه صدرَك لأحد تتسرَّب من بين ضلوعه حرارةُ المحبَّة ودفء المكان، لكنَّ رمَّاحاً كان وسيظلُّ معانقاً، بحرارة، أصدقاءه وأبناءه. معانقاً شعريَّةً فذَّة وسوداناً فيَّاضاً بالأغاني، سليل العذوبة.
تعرَّفت عليه مصادفةً، كأنَّني كنت ألتقي بنفسي صدفةً في الحريق العام. يدٌ مصافحة بعمق كانت كفيلةً بتسريب الأمل إلى النَّفس، يدٌ شفيفة القوَّة، قوَّة الرُّوح والتَّبادل الإنساني الصَّادق، يدٌ تُمسك بك، بحنانها، وتدخل بك إلى بيت العالم الطَّليق، بيته وبيت وجهه الجميل.
عمليَّاً، كان لا تكاد تجلس فكرةٌ في رأسه، مشغولة الدَّوائر اللَّانهائية دائماً، إلَّا وتلمَّس الطَّريق إلى الفعل والتَّجرِبة، ولهذا فإنَّه بهذا المعنى غرامشيٌّ من الدَّرجة الأولى. لا يحزن إذا فشل، بل يعاود المحاولة من الطَّريق الأخرى ولا يعرف التَّعب طريقاً إلى روحه المثابر. يُزجرنا بمحبَّة فائقة إذا تأخَّرنا في التزام جماعي الواجب، ويلومنا بمدرسةٍ معلِّمةٍ على تقاعسنا في أداء واجب القصيدة التي يحب، قصيدة الوطن.
منشبكاً ومتشابكاً كلبلاب أخضر يانع يُعرِّش في العلاقات العامَّة بين النَّاس، حرَّاً كما يريد لفكره، ومعانداً ومقاوماً كلَّ أسباب الظَّلامات في وطنه. أبيَّاً وافرَ صحَّةِ الوجدان، وأباً صالحاً لزراعة وتربية الجمال، وباباً مفتوح النَّسيم والدُّخول إلى الدِّفء والحب.
ولأنَّ رمَّاحاً كان يمشي وفي رأسه غابة، فإنَّ شِعره المفتوح على اللُّغة والعالم والتَّاريخ، لم يكن له أن يخرج عن الهموم العامَّة وقضايا مجتمعه المتشابكة، رغم جرحه الخاصِّ الذي يضيئ المعنى بكثيف العبارة.
رمَّاح دمٌ حرٌّ ونفَسٌ يتصاعد في الحياة بكلِّ محبَّة وعُلُو، إطلال دائم على إخوَّة حقيقيَّة، وعاشق أكيد للحياة؛ ولو أنَّها تكمُن الآن في مكان آخَر.

‫شاهد أيضًا‬

الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش

كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …