
الإغاثة تمتحن صدق الشعب وتكشف إنعدام مصداقية الحكومة
أحمد مختار البيت:
لن أنسى ما حييت، كلمات قالها أبو رجائي سفير فلسطين في الخرطوم في العام 1988م، أبان كارثة الفيضانات التي ضربت السودان وقتها، لمذيع التلفزيون السوداني، الذي ظل يرابط طوال اليوم في المطار، لينقل تصريحات مسؤولي الإغاثة الخليجيين، بين الأيادي السمر، التي تتشابى لحمولة الطائرات القادمة.
قال أبو رجائي للمذيع الفاشل: ياخي روح شوف شغلة تانية، هذا فعل لا يستحق أن تنقله للعالم، هؤلاء الأخوان قاموا بواجبهم الإنساني تجاه أخوة لهم، هذا ليس خبرا لك، يومها صمت المذيع المنمط، ولم يستطع أن ينبس ببنت شفة.كان أبو رجائي يعبر عن الكبرياء العربي المغدور، ويشرح للمذيع البائس بصورة لبقة، الفرق بين شرف الواجب، والمسؤولية ، وخطورة المهنة حين تعلب صاحبها.
واليوم يعيد التاريخ نفسه في دورة جديدة، ويكرر الخريف مأساته، وتستقبل القرى والأحياء في المناقل بالجزيرة ونهر النيل ودارفور وسنار وكسلا وجنوب كردفان، كارثة الفيضان بذات التفاصيل المحزنة، ولكن الجديد هذه المرة هو غياب السفير الفلسطيني الثائر محمود شلايل، ليذكر مذيعي الفضائيات العربية، أن ما ينقلونه ليس بأخبار تستحق أن يرابطوا لها بالساعات الطويلة في المطارات، فهو عمل تقتضي المروءة والإنسانية، أن يبقى بعيدا عن الأضواء خشية الرياء والمن والأذى، فالسودان ظل لأكثر من 500 سنة، يكسو الكعبة ويطعم الحجيج بشكل متصل، ولم نسمع أنه نشر صور عن ذلك الفعل.
والذي يستحق أن تسلط عليه الأضواء، ويشرح بالنقد البناء، هو اسباب إنهيار جدار الثقة بيننا كمجتمع والأخوة في الخليج عموما، والاجابة على السؤال لماذا فقد الخليجيون المصداقية في الحكومات، التي لطخت سمعة السودانيين في مياه الفيضانات، لدرجة أن شاهدنا صور عمال الإغاثة والمنظمات التطوعية، تملأ وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بملابسهم المميزة، وهم يخوضون الأوحال على ظهور عربات الكارو، وتحتها تعليقات ساخرة وقارصة، أنهم اضطروا ليقفوا بأنفسهم على توزيع الإغاثة حتى تصل لمستحقيها! رغم العفة والإيثار والقناعة والرضا بالاقدار، التي أظهرها المتضروين. وهى معروفة عبر التاريخ لدى السودانيين في الغربة.
لقد خانت الحكومات المتعاقبة منذ تاريخ فيضان عام 1988م، قيم السودانيين وأمانتهم وأخلاقهم وسمعتهم التاريخية، التى بنوها عبر القرون بالصبر واليقين والتحمل والترفع عن الصغائر، وكل ما يجرح الخاطر ويذل النفس، فليس هناك عند السودانيين أعظم من عزة النفس وكبريائها.
لقد مرمطت حكومات الإنقاذ وإنقلابييها صفحات تاريخنا الناصع في الطين ، وباعت سمعتنا بأرخص الأثمان، وحملت أجيالنا المعاصرة وأجيال المستقبل التي ستأتي، أوزارها هى وعيوبها ومخازيها وحبها الشهوات والسرقات والسطو على حقوق الأبرياء والكادحين، ألا بعدا للظالمين.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …