عبدالمنعم عبدالحي 1922 _ 1975 _ 2022

الرفاعي عبد العاطي حجر:

اطلقت الاستاذة سلمى الشيخ سلامة نداء موجه للموسيقي سعدالدين الطيب، طالبة فيه أحياء مئوية الشاعر الأجمل عبدالمنعم عبدالحي، رجل ربما كتب عنه البعض فيما يتصل بانتقاله للعيش في مصر منذ ايام الدراسة الوسطى كما كان يقال وقتذاك، وربما اسرته انتقل منها اشقاؤه الشباب للعيش منذ وقت مبكر، وعاش شقيقه الأكبر في شبين الكوم مستقرا بها وجاء شقيقه احمد عبدالحي إلى القاهرة، ووصل مع فرقة كرومة أو قبلها، وأتى من شبين الكوم شاعرنا وقرر البقاء في القاهرة محددا هدفه ليلتقي بالفنانين القادمين ليستمع للغناء والالحان، جاء عبدالمنعم عبدالحي العام 1934م، وهو مختلف في تاريخ ميلاده ما بين 1920 – 1922، اي كان فهو وصل باكرا جدا وبقي هناك، رغم ذلك كتب اشعار تذيب المشاعر انهارا عن الوطن هنا منبع الدهشة وانبهال الأسئلة، ما الذي فجّر مشاعره جداولا فهو كتب :

أنا امدرمان تأمل في ربوعي
أنا السودان تمثل في نجوعي
أنا ابن الشمال سكنته قلبي
على ابن الجنوب ضميت ضلوعي

أنا امدرمان سلو النيلين عني
وعن عزمات فتاي عند التجني
فخير بنيك يا سودان مني
سلو الحادي سلو الشادي المغني

أنا امدرمان اذا ما قلت اعني
فما نيل المطالب بالتمني
تجيش النفس بالآمال لكن
ولكن .. هذه ال لما لا تدعني

أنا امدرمان مضى أمسي بنحسي
غدا وفتاي يحطم قيد حبسي
واخرج للملاء في ثوب عرسي
وابسم بعدما قد طال عبسي
وأعلن والفضاء يعلن همسي
واهتف و الورى يعرف حسي
فيا سودان إذ ما النفس هانت
أقدم للفداء روحي ونفسي

قصيدة تحمل من الأسئلة ما لا توقف دفقها، فاي انتماء هذا؟ وهل هذه اللمى ام ال لما بمعنى السؤال المستمر؟

الشاعر الذي تغنى لهذا الوطن عاش خارجه منذ العام 1934 بل ودفن في مصر العام 1975، حياة قصيرة مليئة بصنوف الوجد والشوق والمحبة، لفت انتباهي باكرا في اغنية عثمان حسين، واغلب أسعاره لحنها المايسترو برعي احمد دفع الله، ليالي المصير، اغنية تجسد معنى الشجن والانتماء والحب في أعظم تجليات الشاعر والملحن ذاب وجدا كيف لا وهو عثمان حسين، لنتأمل اللحن والانسياب، اعتقد إذا ما كان اللحن جاهزا، فاي تدخله غير ليال المصير؟ أو أوراق الخريف :
يا ليال المنى هل ما عاد فات؟
أ احبابنا على عهد الوفاء؟
ولعل من نسبها لبازرعة لم يمضي بعيدا فتلك ربما مدرسة تذيب المشاعر نهل منها او توارد خواطر ربما، ف بين بازرعة الملاحق وعبدالحي السابق الكثير من التشابه الذي يصل حد التطابق.

نداء Salma Salama اعتقد سوف يجد استجابة، فالرجل يستحق، فابداعات عبدالمنعم عبدالحي يخيل لي يمكن التحضير فيها لدارسي اللغة والمتخصصين في النقد والشعر والموسيقا فالرجل انتج درر، وطرح أسئلة لم يسبر بعد غورها فما المامبو السوداني؟ نانا، ازيكم كيفنكم انا لي زمان ما شفتكم، انطلقت وظل مسار طرق في لسان كل من تكلم العربية أو الاعجمية ولم نناقش هذه الاغنيات التي انتشرت في محيطنا؟ ما سر شهرتها والتقاطها بتلك السرعة مع البقاء طويلا حتى اليوم عندما يذكر الغناء السوداني تكون حاضرات وتغنى بهن سيد خليفة، لعل عبدالمنعم عبدالحي جدير بالدراسة في غالب نصوصه، وهنا ترد اغنية فعليا جعلتني اغوص في عالم عبدالحي :

لوموه اللاهي في الغرام باللهي
قولوا ليهو الحب شيء طبيعي إلهي
*
الغرام ما بخير بين كبير وصغير
من زمان الحب امره فينا يحيّر
*
يا جميل يا نضيّر خلي هجرك غير
من زمان الحب تلقى عمره قصير
*
نادوا لينا البنا يبني لينا الجنة
يبنب طوبة حب ويرمي مونة محنة
بالكتاب والسنة يعقدو لينا أهلنا
انتصر يا حب انحن نلنا املنا
*
سيروا بينا لنيلنا وسوي لينا عديلنا
فوق جناح الحب الملائكة تشيلنا
يوم تقرب ضلنا فوق شبان جيلنا
والزغاريد حب وخير مافي مثيلنا
*
العاقبة للخلان وللبشاركوا معانا
انحن ناس الحب الله ما بنسانا
انحن صُّنا هوانا بشرف وامانة
يا جمال الحب ويا جمال دنيانا
إذا ما تُرجم هذا النص لا اشك انه سيجد حظه في اضابير الدساتير الإنسانية، برغم وجده الصوفي وهنا يحقق تأثر شاعرنا منعم عبدالحي بسماعه الأول كان هو ترديد والدته مدايح الصوفية، في محبة النبي صل الله عليه وسلم، وادراكه معنى وحدة الوجود ووحدة الخلق والنزوع للحب في معناه الاشمل، هاهي اغلب اغنياته تحوي الحب والكأس مدامة العاشقين وجدا، ففي اغنيته الثانية مع عثمان حسين ظللت اردد يغني المغني وكل مع ليلاه، فالليل يبقالي شاهد ايقظت الدموع لدي الشيخ ود بدر وها هو عبدالحي يوقظ دموع المحبين ولكل حبه وهيامه وليلاه،، وما ليلى العاشقين إلا بين عذري ومعتذر :

المهجور ومجبور علي هجرو
المغدور ومكتوب علي غدرو
بين الحب والجفا
الإخلاص والوفا
بين الصد والصفا
وديل ناس لا لا الماراضية بي حالا
بكره الدنيا جايالا .. جايا لا
*
سهران وحيران ومانايم
ولهان وهيمان أنا الصايم
السمّار النجوم
طول الليل ما بنوم
من النوح والهموم
من ناس لا لا
هجرانا ناس لا لا
بكرة الدنيا جايالا جايالا
هكذا تعددت موضوعات عبدالمنعم، ف بين الغناء للوطن والحبيبة والانشاد، كان وظل يعبق ليالي السهاد كيف ما اتفق العشق، وهنا ذاع ان اغنية يوم قسموك يا هم لادريس جماع وهي تناسبه، لكنها في الحقيقة اغنية العاشق المتبتل عبدالمنعم عبدالحي، وفيها ذرف الدمع هطالا وشابه جماع، ولمنعم تشابه عجيب مع العشق المتمدد داخل جماع والمغربي وكثيرون هم حتى يقال ان قصيدته انا السودان لفتت انتباه المفكر الأستاذ محمود محمد طه ف تناوله في احدى مقالات، وظل يرددها ف يا سودان إذ ما النفس هانت، وكانت نبوءة إذ لحظة اعدامه تتجسد في زمانات باكرة وقدم روحه فداءً بكل يسر وبطولة، وها هي نبوءة شاعرنا عبدالمنعم في انه غادر عن عمر لم يتجاوز الخمسين إلا قليلا ف عاش بين 1922 حتى 1975، وتزوج من إحدى المصريات وانجب منها ستة من أبناء وبنات، استشهد اثنان أحدهم طيار ايام العدوان الإسرائيلي على مصر، والآخر في أكتوبر (بين الأعوام 67 و 73)، وظلا أبطالنا فداءً لمصر وابطالا نزهو بهما:

يوم قسموك يا هم.. كتبوا عليك اسمي
لو كان رووك بالدم.. يا هم رووك دمي
أنا لو رضيت بالهم.. ما برضى بي همي
حبّاني يا أهلي.. يا من تعزوني
في الدنيا خاب أملي.. في حظي عزّوني
أنا لو يحين اجلي.. ما تبكوا هنوني
لو السعادة تفوت.. ل الناس تخليني
بين الحياة والموت.. يا سعادة زوريني
لو أمروها بالجبروت.. السعادة ما بتجيني
لن احصي الاغنيات لكن اختم مدد لا ينتهي ويحتاج أهل النقد والشعر والموسيقا، ف الشاعر عبدالمنعم عبدالحي بحر بلا سواحل يستعصي حصره، فقد كتب أجمل النصوص ولم يختم، فإذا ما هناك ملاحظة، ف هذا الوطن في حظه فيه سر اسمه مغادرة المبدعون والمفكرون باكرا، ولا نحصيهم من التجاني يوسف بشير، ومعاوية محمد نور، ومصطفى سيد احمد، وعبدالخالق محجوب مرورا بالعميري ثم شاعرنا عبدالمنعم عبدالحي ثنائية الموت في عز العطاء، لو تدبرنا أمر هذا الشاعر وخاتمة ما ندون لعلنا نرى بوضوح ان من عشق الأوطان ما قتل، لهم الرحمة أجمعين، اللهم ادم علينا نعمة بقاء المبدعين وعاجل برحيل أسباب شقائنا من السياسيين :

نار البعد والغربة
شوق لأهلي والصحبة
شوق لكل جميل في الحي
شوق للشينة لو صعبة
بين اليقظة والأحلام
بين اجفان تقول للنام
أريت النوم يزورني اليوم
أنوم لو ليلة في كل عام
آه بتطلع بدمع العين
زفرة بتشعل أنفاسي
آه بتداوي فينا حنين
ولا زفرة بتجيب ناسي

الرفاعي عبدالعاطي حجر
جدة سبتمبر 2022م