
الرئيس الذي شُبّه بطائر العنقاء الذي يحيا من جديد وينهض من بين الرماد
ماهر الشريف:
إنه لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، المعروف باسم لولا، المولود في سنة 1945 لأبوين فلاحين وأميّين، والذي فرّ عندما كان طفلاً مع عائلته من بؤس ريف ولاية بيرنامبوكو في الشمال الشرقي، والانتقال إلى ضواحي مدينة ساو باولو، واضطر وهو في الثانية عشرة من عمره إلى التوقف عن متابعة دراسته لممارسة العديد من الحرف الصغيرة، فعمل ماسحاً للأحذية وبائعاً متجولاً، قبل أن ينتقل، بعد ست سنوات، إلى العمل في قطاع الصلب، وهي مهنة مارسها لمدة اثنتي عشرة سنة.
في سنة 1969، انضم لولا، تحت تأثير أخيه الأكبر، إلى النقابات العمالية، وانتخب في سنة 1975 رئيساً لنقابة عمال المعادن في ساو باولو (حوالي 100000 عضو)، وراح يبرز بصفته خطيباً مفوّهاً ومنظماً ماهراً وقائداً للإضرابات الأولى في مواجهة الديكتاتورية العسكرية ، التي حكمت ما بين سنتَي1964 و1985، وهو ما أدى إلى اعتقاله للمرة الأولى. وفي سنة 1980، ساهم لولا في تأسيس “حزب العمال” كحزب جماهيري، يجمع مناضلين يتبنون أفكار الاشتراكية الديمقراطية والماركسية اللينينية والنزعات التروتسكية والكاثوليكية القريبة من لاهوت التحرير والعالمثالية، ويمتلك هيكلاً ديمقراطياً ويطمح إلى المشاركة في الحياة السياسية. وانتخب لولا رئيساً لهذا الحزب ثم أصبح رئيساً فخرياً له.
في سنة 1982، سعى لولا للحصول على مقعد حاكم ولاية ساو باولو لكنه لم يحصل سوى على 10.8٪ من أصوات المقترعين. وفي سنة 1989، ترشح لولا لرئاسة الجمهورية لأول مرة، ثم ترشح في دورات ثلاث لاحقة، إلى أن انتخب رئيساً للبرازيل في انتخابات تشرين الأول/أكتوبر 2002 بحصوله على نسبة 61.3٪ من أصوات المقترعين، وخصوصاً في صفوف الطبقات الشعبية والفئات الوسطى، وبات أول رئيس يساري منذ تأسيس جمهورية البرازيل في سنة 1889، وأعيد انتخابه لمدة أربع سنوات في سنة 2006، فسعى إلى تنفيذ برامج اجتماعية طموحة بغية الحد من التفاوتات الاجتماعية ومن الفقر المدقع المنتشر في مناطق واسعة من البلاد، ونجح في إخراج نحو 30 مليوناً من البرازيليين من حالة الفقر، بحيث صار الأطفال يذهبون إلى المدارس، والناس يأكلون ما يشبعهم. وخلال ولايتيه الرئاسيتين، حققت البرازيل نمواً اقتصادياً ملحوظاً، في ظل الطفرة في أسعار المواد الخام، وصعدت إلى مرتبة قوة إقليمية رئيسية، وشريك اقتصادي مهم لبعض دول أميركا اللاتينية، وتمكنت من إسماع صوتها على الساحة الدولية. وترك لولا الرئاسة في سنة 2010، إذ لا يمكن احتلال منصب الرئيس لأكثر من ولايتين، وهو يتمتع بتأييد نحو 80٪ من السكان.
في السنة نفسها، انتخبت وزيرة شؤون الرئاسة السابقة في حكومة لولا اليسارية ديلما روسيف أول رئيسة للبرازيل بنسبة كبيرة من الأصوات، ثم أعيد انتخابها في انتخابات سنة 2014، قبل أن يقرر مجلس الشيوخ البرازيلي عزلها من منصبها في أواخر آب/أغسطس 2016 بتهمة التلاعب بالحسابات العامة لإخفاء حجم العجز الفعلي، وهي تهمة تدخلت في تبنيها السياسة إلى حد كبير. وفي نيسان/أبريل 2018، وجراء مؤامرة سياسية حيكت بذكاء لمنع لولا من الترشح للرئاسة في انتخابات ذلك العام، أُلصقت تهمة “الفساد” به وحُكم عليه بالسجن حيث بقي معتقلاُ حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2019، حين برأته المحكمة العليا من التهمة التي وجهت إليه وسمحت له باستعادة حقوقه السياسية، فحاول هذا الزعيم اليساري، الذي اعتقد الكثيرون أنه انتهى، أن ينتخب من جديد للمنصب الأعلى في البلاد، بعد 12 عاماً من تركه للسلطة. وأطلق في 7 أيار/مايو الفائت حملته الانتخابية، واعداً بإعادة البرازيل إلى الأزمان الجميلة لولايته وإنهاء حكم منافسه الرئيس اليميني الشعبوي جاير بولسونارو الذي سيترك البلاد في أوضاع سيئة، تتميّز بأسوأ أزمة اقتصادية لها منذ 25 عاماً، وبنحو 700000 حالة وفاة بسبب كوفيد ، وبتهديد الديمقراطية وخصوصاً بعد صدامه مع المحكمة العليا ومجلس الشيوخ اللذين حاولا عزله.
لقد فاز لولا في انتخابات البارحة وعاد إلى سدة الرئاسة، وهو الذي قال في المقابلة التي أجرتها معه مجلة “التايم” في 4 أيار الفائت: “السياسة تحيا في كل خلية من خلايا جسمي، في دمي، في رأسي. والمسألة ليس في السياسة في حد ذاتها بل في القضية التي تفضي بالمرء إلى السياسة، وأنا أدافع عن قضية. عندما تركت الرئاسة في سنة 2010، لم تكن لدي نية الترشح من جديد للرئاسة، ولكن خلال الأعوام الفائتة، أدركت أن كل السياسات التي تبنيتها في صالح الفقراء، كل سياسات الاندماج الاجتماعي، كل ما فعلناه لتحديث الجامعات، والمعاهد التقنية، وفي سبيل رفع الأجور، وتحسين نوعية الوظائف- كل هذا قد قضي عليه. ذلك لأن الأشخاص الذين شغلوا وزارات الحكومة بعد الانقلاب الذي أطاح بديلما [روسيف]، كانوا أناساُ أرادوا تدمير كل المكتسبات التي حققها الشعب البرازيلي بعد سنة 1943″.
ولدى سؤاله عن كيفية تحقيق برنامجه الاجتماعي، أجاب: ” لفهم ما عشته خلال حياتي، [يجب إدراك] إنني أكلت الخبز لأول مرة في سن السابعة من عمري، إذ لم يكن لدى والدتي، غالباً، ما تضعه في الفرن من أجلنا؛ لكنني لم أرها مطلقاً في حالة يأس، بل كانت تقول دوماً: غداً، سيكون لدينا ما يكفي، غداً سيكون أفضل. وهذا ما ترسخ في وجداني، في دمي. وهذا ما جعل مني ما أنا عليه الآن، إذ ليس هناك أي مشكله لا يمكن تجاوزها. وأنا فخور بأنني أثبتت بأن عاملاً في قطاع الصلب من دون شهادات جامعية أكثر كفاءة لحكم هذا البلد من نخبة البرازيل، وذلك لأن فن الحكم يتجسد في استخدام القلب وليس العقل فقط”.
لويز إيناسيو لولا دا سيلفا رئيس البرازيل اعتباراً من اليوم… إنه يشبه فعلاً طائر العنقاء.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …