لم أكن ولست رومانسيا
جعفر عباس :
أقر واعترف بأنني لست رومانسيا، ولم أكن رومانسيا في أي مرحلة من مراحل العمر، علما بأن جيلنا لم يمر بمرحلة المراهقة: طفل ثم صبي ثم راجل/ طفلة ثم فتاة ثم مَرَة، وكلمة حب نفسها كانت عيب في زماننا، فلا يقولها رجل حتى لزوجته ولا زوجة لزوجها، والى يومنا هذا فإنني ومعظم أبناء وبنات جيلي نعبر عن الحب بالأفعال وليس بالورود وتسبيل العيون والقصائد (جربت الرومانسية وكتبت في صباي: من نارك يا جافي/ انا طالب المطافي، هل من بنت عاقلة تتجاوب مع كلام كهذا؟)، وفي علاقتي بالممثلة المصرية الراحلة سعاد حسني كانت هناك رومانسية من طرفها هي فقط، تتمثل في الغمز بالعين والنظرات التي كانت تنطلق كشعاع ليزر
طلبت من د. علي بلدو اخصائي العلاقات العاطفية ان يعطيني إرشادات كي أخُم أم الجعافر بشوية كلمات وحركات، فقال لي: تو ليت too late ثم تغنى “فات الأوان والانكتب على الجبين الليلة بان”، ولم أيأس وقبل يومين تأهبت ام الجعافر لزيارة صديقة لها نزيلة المستشفى، فقلت لها: يا سلام فستانك يجنن، فأضاء وجهها بابتسامة وقالت: يا سلام عليك عرفت الفستان عشان أنت اشتريتو لي قبل اربع سنوات؟ ولم أكن أعرف انني اشتريته لها، وهكذا صبت على رأسي ماء مثلجا، فلعنت الرومانسية والرومان، وما إلى ذلك من “شغل الكفار”
بس استفدت من عدم رومانسيتي، لأنه حصنني ضد الشواكيش في مرحلة الجامعة وما بعدها بقليل، وبحمد الله فإن البنت الوحيدة التي مددت اليها قرعتي قبلت بي زوجا؛ والتحصين من الرومانسية لم يكن لجلافة فينا فحسب (يعني أكيد فينا حبة جلافة) ولكن لأن القيم السائدة كانت تقضي بأن المجتمع كله مسؤول عن تربية الناشئة، فيعطيك ذلك الإحساس بالانتماء الى قاعدة بشرية عريضة فتنشأ منضبطا وملتزما بقواعد السلوك ومن بينها مثلا ان أي بنت في الحي بمثابة أختك، وعندما انتقلت الى البندر أتيت حاملا أخلاق القرية: لا ترفع عينك على بنات الناس أو تتلفظ أمامهن بكلام فيه غزل او تحرش في الشارع او خلال المناسبات، وكانت لشباب المدن طريقة في غاية الركاكة للتغزل الصامت، وهي ترجيف إحدى فتحتي الأنف فيما كان يمسى ب”الرفرفة” وهي حركة تجدها عند حمار انحشرت في أنفه حشرة، وكان البعض يعلن عن انبهاره بجمال بنت ب: أحححي!! ووب علي!! وكانت بنات البندر يهدين للحبايب مناديل مطرزة وطواقي مشغولة باليد (لا بيبسي لا بيرغر لا تحويل رصيد لا كابوتشينو)، يعني حتى الحب المعلن كان بسعر التكلفة
المهم انني اتفق مع الرأي القائل بأن الكلام الحلو للإعراب عن الحب يريح البال والقلب، ولو جاء مقرونا بهدية يبقى واااو، ولكن معلوم ان الأساليب الرومانسية تكتيك يستخدمه المستهبلون من الجنسين كثيرا للاستمرار في علاقة ترانزيت (عابرة)، وقد يقول شاب لفتاة: لما أقضي معك باقي عمري سأكون اسعد الناس (بينما غايته فقط قضاء وقت حلو معها ثم يأتيها بتذكرة لتركب التونسية)
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …