لن تحكمنا بعد اليوم طغمة بلا رؤيا
قصي همرور:
شعوب السودان لن تحكمها بعد اليوم طغمة ليست لديها رؤية وآليات حقيقية (لا مجرد أماني وتلويحات) لإدارة الدولة ومعالجة مشاكلها، وقادرة على بناء سند جماهيري شرعي وفق تلك الرؤية. لن تحكمها أي لن يستقر لها الحكم، ولن تستتب لها الأمور، مهما فعلت ومهما قالت ومهما أنفقت من طاقة وزمن ومهما حشدت من ترسانة وأعوان خارجيين.
من يشاهد تطور مستوى التناول السياسي والاجتماعي بين عموم أهل السودان، وعمق مستوى التفكير السياسي والاجتماعي وسط نسبة مقدّرة من جيل الحراك الثوري (أي أصحاب النسبة الغالبة من أهل الحراك وأصحاب الوجعة، وهم تقريبا بين العشرينات والثلاثينات من العمر)، ومن يحالفه التوفيق في التواصل والانخراط مع الكثير من لجان المقاومة على مستوى العمل الجاري عندها في ملء فراغات التفكير والتنظيم (وهو مستوى عمل يستحق توثيقا خاصا به)، لن يبتعد من خلاصة أن هنالك فهما، محلي الملامح عالمي المواكبة، توطّن ويتوطّن في هذه البلاد من بركات الحراك الثوري، وهو لم يبدأ من ديسمبر 2018 (بل ديسمبر كان أحد تجلياته) إنما يمكن تتبع تخلقاته منذ سبتمبر 2013 وما تبعها من هضم للدروس الصعبة. وهذا لا يعني أنه لم يكن هنالك فهم كهذا قبل التواريخ المذكورة آنفا، لكنه لم يكن متوطنا مثلما هو اليوم. كان متفرقا على مجموعات محدودة الحجم والأثر، وهو الآن أوسع من ذلك بكثير.
يضاف لذلك، أننا شهدنا في السنوات الأخيرة أفقا جديدا في البسالة والتضحية، من أجل غايات كبرى (التحرر والتنمية)، وأقول التضحية لا الضحايا، رغم أنه صحيح أن وتيرة الضحايا زادت، وما نقص وقع الألم، لكن كلما استعمل الطاغوت أدوات العنف المفرط ليقهر الجماهير كلما قلّ مفعوله الذي كان يتمناه، فمع المزيد من الضحايا زادت جسارة الجموع، واختزنت شجاعة جماعية، ووعيا جماعيا، وانتظاما جماعيا.
هذا تعميد بالنار (baptism by fire) وابتلاءٌ مثل صهر الفولاذ لتشكيله وصقله، مر ويمرّ به الشعب السوداني، كيما يتأهّل لموقعه كعملاق آخر ينهض في تاريخ البشر. والعملاق حين ينهض لا يحكمه الصغار، الذين يتمنون ويحلمون ولا يفكّرون ويدرسون، والذين يقدّمون أنانياتهم الصغرى على الأنانية العليا (حيث تتلاقى مصلحة الجماعة ومصالح أفرادها، وحيث يؤخر الفرد نفسه ويقدّم الآخرين في الشأن العام).
في مثل هذا الخضم، وهذه اللحظات التاريخية المصيرية، يتوحد صوت الحكمة وصوت الثورة، فمن ينادي بالحكمة كنقيض للثورة فارق الحكمة وإن ادّعاها، ومن ينادي بالثورة حماسا بدون فكر لا يستره حماسه عن فراغ فكره. الحكمة الآن تقتضي الثورة وإن بدت متطرفة، فهو تطرف ضروري لإعادة وزن الأمور.
كان الأستاذ محمود محمد طه يقول، في هذا السياق، إن الورقة إذا كانت مطوية في اتجاه ما، وأردت أن تعيدها مستوية، عليك أن تطويها في الاتجاه الآخر، مكان الطيّة القديمة، لبعض الوقت.
وكما قال الشاعر:
كلمةٌ لابد أن تقال،
في بركة الركود هذه
لا غير هزةٍ عنيفةٍ تخلخل الجبال،
تحرر الأثقال.
في كومة الركام هذه
لابدّ من زلزال….
——–
(مُعاد نشره من ٣١ ديسمبر ٢٠٢١)
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …