نضج الحراك الثوري: حول ضرورة انخراط الريف في مشروع التغيير السياسي
بكري الجاك :
كل الثورات عبر التاريخ كان لها عمق اجتماعي يلعب دور أصيل في بلورة مشروعها السياسي و تطلعاتها الاجتماعية، اذا اخذنا فكرة الثورة بالمفمهوم الماركسي ففكرة ال vanguard اي الطليعة البرجوازية يعوّل عليها في ان تتجاوز ضميريا و تتفسخ طبقيا لتصبح رأس الرمح في مشروع الثورة الاجتماعية. الثورة هنا في اصلها تعتبر مشروع سياسي بتجليات اجتماعية باعتبار أن السياسة هي في جوهرها عملية تعريف و اعادة تعريف المصلحة العامة و الخاصة. بهذا المفهوم الثورة كعملية سياسية تسعي الي اجراء هندسة اجتماعية مفادها تغيير طبيعة البني و العلاقات الاجتماعية وفق علاقات مصالح جديدة. الطلائع الثورية ترتبط عادة باماكن تجمعات سواء كانت مدن أم مصانع أو اي من المشروعات الحداثية التي تمكن الناس من الانتظام في علاقات مدنية تتجاوز الانتماءآت الاولية من علاقات دم و قربي و وشائج قبلية و اثنية.
من واقع انخراطي في مشروع الثورة السودانية في مستويات عدة بما فيها الميداني (ولو لفترات قصيرة) يبدو لي أن الثورة السودانية بالفعل الآن قد وصلت مراحل متقدمة من النضح في عملية اعادة تعريف المصالح العامة و الخاصة ووضع المصالح الخاصة للمجموعات الثائرة في اولويات سلم المشروع الثوري. مصالح خاصة هنا لا يقصد بها المعني الشائع لفكرة المصلحة كشيء سلبي او ذاتي، بل يقصد بها أن كل انسان في اي حراك اجتماعي تحركه مجموعة دوافع منها ما هو غيري( فكرة التجرد) و منها ما هو ذاتي وهو لب فكرة المصلحة. المشروع الثوري الناضج يقوم ليس فقط علي اعادة تعريف المصلحة بل علي بلورة و تأطير جموع المصالح الذاتية في صيغة مصلحة عامة لغالبية الشعوب السودانية. هذه العملية الآن تتمثل في كل اهازيج و اشعار الثورة التي تترد في كل موكب و كل ركن و كل بيت و كل حي، و يرددها حتي الاطفال الذين علي وشك تعلم الكلام قد يردون لك الهتاف ما أن تقول ” يا برهان ثكناتك أولي” بالقول ” مافي مليشيا بتحكم دولة” او قول مثل ” الثورة ثورة شعب… والسلطة سلطة شعب … والعسكر للثكنات و الجنجويد ينحل”. هذه ليست شعارات و اهازيج بل هي مشروع متكامل لفكرة الحكم المدني ودولة المواطنة حيث ” كل الوطن للناس لا خاصة لا عامة”. معالم هذا المشروع واضحة و كل المواثيق و الاعلانات السياسية و المبادرات التي تطلق في كل ساعة تدور في نفس الفلك بطرح ملامح لمشروع المصلحة العامة لجموع غالبية السودانيين باشكال مختلفة. لدي ملاحظتان في هذا الشأن:
أولا،هنالك ملاحظة مهمة و قد بذلتها في حواراتي مع العديد من الرفاق و التروس و الاصدقاء، في تقديري أن الحراك الثوري في بلادنا قد وصل مراحل متقدمة من النضج و التجذير في بنية الوعي السائد و في الخطاب الشعبي في التعبير عن الآمال في المستقبل و في شكل الدولة التي يحلم بها السودانيون. الحراك اصبح اسلوب حياة و برنامج في ظل غياب كافة اشكال الحياة المدنية. أما من حيث التنظيم أكاد أجزم أن الثورة السودانية الآن تمضي في مرحلة ال auto pilot أو الطيار الآلي و كل ما تحتاجه هو جدول للمواكب و تحديد نقاط التجمع و المسارات، وجدت اتصالات ام لم توجد.التحدي يكمن في تنويع ادوات التعبير الثوري و في تغيير التكتيكات حتي نعزز من فرص توسيع قاعدة المشاركة للانخراط في العملية الثورية. هنالك الالاف بل الملايين الذين هم ثوار و قد لا نشاهدهم في المواكب لاسباب مختلفة، و فكرة تنويع ادوات العمل والتعبير الثوري هي لاستيعاب قطاعات اخري في المجتمع و تثويرها.
ثانيا، مسألة توسيع قاعدة المشاركة الثورية بادماج الريف في هذا الحراك هو واجب الأمس و ليس اليوم. كما ذكرت تاريخيا اي حراك اجتماعي باهداف سياسية ارتبط بتجمعات بشرية و هذه عادة هي المدن، و الثورات تحدث في المدن لاسباب اجتماعية و اقتصادية و ديمغرافية. المدن تعكس قمة بلورة طبيعة العلاقات الاقتصادية الرأسمالية، كما هي مكان لتمركز السلطة، و مشروع التغيير الذي لا يزعج السلطة لا يحدث النتائج المرجوة، و قديما قال اهلنا نمشي محل ” الرئيس بنوم و الطيارة بتقوم”، و بقدر مافي هذا القول من تشخيص لفكرة التنمية غير المتوزانة و مدي مركزية السلطة الا أنه يعكس طبيعة علاقات السلطة بين من الفاعلين السياسيين في اي مجتمع. في ظني أن المرحلة القادمة في انضاج الثورة السودانية تكمن في تثوير الريف و ادماجه في هذا الحراك العظيم، فالحقيقة العلمية البائنة أن جل سكان السودان يقطنون في الريف كما أن جل صادارت السودان من سمسم و صمغ عربي و فول سوداني و ذهب تأتي من الارياف. قولي هذا لا يعني باي حال أن الارياف غير منخرطة في الثورة، بل المقصود أنها ليست منخرطة بالشكل الذي نراه في الحواضر مما يجعل الريف ايضا لقمة سائقة لعمليات التجنيد لقوي مضادة للثورة و مصدر للقوات التي تستخدمها السلطة الآن في قمع الثوار.و غير ان هنالك ضرورة سياسية لتثوير الريف و ادخاله في العملية الثورية هنالك ضرورة تكتيكية و استراتيجية في وقف عملية استغلال الريف في اجهاض عملية التغيير التي تنتظم كل ربوع السودان الآن.
خلاصة القول هنالك قوي سياسية في معسكر القوي الانقلابية ستعمل علي ابعاد الريف و محاصرته لاسباب تتعلق بمصادرة حق التعبير نيابة عنه سواء عبر اتفاق سلام او اي صيغ تقليدية اخري. العملية السياسية المتمثلة في الحراك الثوري الذي يحدث الآن متمثلا في طريقة تنظيم المجتمع عبر لجان المقاومة سوف لن تخرج العديد من القوي السياسية خارج اللعبة السياسية بشكلها التقليدي و حسب بل انها ستعيد تعريف العملية السياسية في السودان برمتها. علي القوي السياسية و المتعجلين السياسيين العمل علي فهم هذا الحراك و بناء تصوراتهم و خططهم السياسية للمستقبل علي ضوءه وليس محاربته و تعطيله.
كخطوة عملية و نقلة نوعية يمكن أن نبدأ في التفكير في تسيير مواكب تتجه من المدن للأرياف أو نبتدع فكرة الموكب المتحرك. الرحمة للشهدء و لقدام
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …