الدكتور الميكانيكي

ناهد قرناص :

فيلم قديم للراحل عبد المنعم مدبولي ..كان طبيبا يعمل بالمستشفى ..ويتلقى راتبا شهريا لا يوفي باحتياجاته دعك من احتياجات منزله..حدث ذات يوم ان تعطلت سيارته القديمة ..واستعان بميكانيكي ..وهاله المبلغ الذي طالب به بعد نهاية المهمة ..عندها بدأ في تعلم اصول الميكانيكا وصار يمارسها سرا ..وحدثت له مفارقات مضحكة ..ربما نسردها في وقت لاحق.

تذكرت قصة الفيلم بالأمس عندما استعنا بسباك شاب ليعالج تسرب المياه في الحمام (اكرمكم الله) ..اول ما لفت نظري هو نظافة الشاب وترتيبه ..وهو يحمل معداته في حقيبة صغيرة وجميلة. ..ثانيا ..لم يأخذ زمنا طويلا ليحدد مكان العلة ..لكن ليس هذا هو ما جذب انتباهي ..لكن ما فعله لتحديد المكان كان يقيس ويخرج ليرى الجدار من الخارج ومن ثم يعود ..بعدها اشار الى نقطة محددة ..حفر موقعها ..لنجد التسريب واضحا للعيان ..
فسر لنا بهدوء سبب التسريب ..وعالج المشكلة ..وطلب مبلغا معقولا ..وانتهى من عمله دون احداث خسائر في شكل الجدار .

حينها سألناه ..هل هو خريج مدرسة صناعية ؟؟

ابتسم وقال انه تخرج من كلية العلوم ..يحمل بكالوريوس علوم أحياء ..قال انه منذ تخرجه لم يترك وظيفة لم يقدم لها ولكنه كان يعود خائبا في كل مرة ..حتى حدث بالصدفة ان احتاجه احد الاصدقاء في اصلاح توصيلة مياه ..وهو يعلم ان له هواية ومعرفة بالسباكة ..حينها نصحه صديقه بالتربح منها ..قال ان ذلك الصديق كان الذي ازال الغشاوة من عينيه ..ومن ذلك الوقت صار يسترزق بالسباكة التي لم تخذله ووفرت له حياة كريمة له ولاسرته ..واردف ضاحكا انه صار لا يهتم باعلانات التوظيف او اخبار لجنة الاختيار.
حينها قفز الذي ذهني تلك الحسرات التي تبادلها الكثيرون عندما سمعوا بالشباب الذي افتتحوا مقهى اطلقوا عليه اسم (خسارة قرايتي) ..كنت اود الكتابة في حينها ..لكني لم اجد مدخلا مناسبا لما كنت افكر فيه ..

(عمر القراية ما كانت خسارة)
العلم والمعرفة التي تأخذها من الدراسة ..ليس بالضرورة ان تجد لك وظيفة ..لكنها تمنحك ادراكا افضل ..وتفتح لك رؤية مختلفة للاشياء ..فتجد نفسك تؤدي اي عمل بطريقة اقرب للاتقان ..والجودة .. انا متأكدة ان هؤلاء الشباب ..سيكون لهم لمستهم الخاصة المبتكرة في ذلك المقهى ..كما فعل خريج العلوم الذي اعطى السباكة منحى اخر ..ومزيدا من التجويد والدقة.

(عمر القراية ما كانت مضيعة وقت )

والدليل ..ذلك العالم السباك ..واؤلئك الشباب اصحاب المقهي العطبراوي …وفي الختام ارسل شكري لذلك الشاب بالأمس
شكرا لك
فقد صنعت يومي يا بني