مآزق لينين في السودان
معتصم أقرع:
كتب لينين: “بعد موت الثوار، تجري محاولات لتحويلهم إلى أيقونات اليفة، غير مؤذية، وتقديسهم وافراغ أسمائهم من مواساة الطبقات المُضطَهَدة بغرض خداعها.”
كتب ونستون تشرشل، الكاره للشيوعية والبلشفية، عن لينين: “كان عقله أداة رائعة أضاء نورها وكشف العالم كله، تاريخه، أحزانه حماقاته ، زيفه ، وقبل كل شيء ، أخطائه.”
لا أدرى كيف يزج باسم لينين للتبرير ل”تسوية” لا تستعيد ديموقراطية ليبرالية برجوازية اذ هي في الحقيقة شراكة جديدة مع اللجنة الأمنية لنظام البشير بسقف ادني من سقف شراكة 2019 تبدا بإعفاء عملي عن المساءلة عن مذبحة فض الاعتصام وجرائم اخري ضد الإنسانية.
من التطرف في فساد المنطق الذهول عن اختلاف صارخ في السياقات والزعم بان تسوية تمت سابقا في ظرف تاريخي مغاير تماما تبرر تسوية اخري في سياق شديد الاختلاف وبشروط مجحفة في حق شعب ما.
في حقيقة الامر ان رفض لينين ل”تسوية” فبراير التي دعا لها مراكسة أرثوذكسيين ومتميزين هي التي جعلت ثورة أكتوبر الروسية ممكنة. كما ان رفضه للتسوية قاده الي احداث مراجعة أساسية في فكر ماركس كما سيتضح من السرد ادناه.
علي من أراد التسوية ان يسوي كما يرغب ولكن لا داعي للاعتداء علي التاريخ بلي عنقه والزج باسم لينين في اطار غير مناسب. ويمكن للتسوويين القناعة بما ملكوا من فاقد يساري يغنيهم عن استدعاء أحد اكثر الثوار راديكالية في التاريخ وافساد نومته الأخيرة بوضع بورتريه صلعته ليتوسط حفلة البراهنة والدعامة وشيعتهم من المدنيين.
أدناه من رواية طارق علي في كتابه الرائع “مآزق لينين” وغيره ( ال بي دي اف متوفر فقط للمتكلسين):
مثل الجميع فوجئ لينين بالسرعة التي نجحت بها ثورة فبراير وفكر في أن هذه كانت فرصة لا ينبغي تفويتها.
لم تكن هيمنة الأحزاب الليبرالية الضعيفة على الحكومة الجديدة مفاجئة. ما اقلق لينين هو التقارير التي كان يتلقاها عن أن بلاشفة بلده كانوا مترددين بشأن الطريق إلى الأمام نسبة لارتباطهم النظري بالأرثوذكسية الماركسية القائلة بأن الثورة في روسيا، في تلك المرحلة لا يمكن أن تكون الا برجوازية ديمقراطية فقط وان الاشتراكية ممكنة فقط في الاقتصادات المتقدمة مثل ألمانيا أو فرنسا أو الولايات المتحدة، ولكن ليس في روسيا الفلاحية شبه الاقطاعية. كما كان ليون تروتسكي ومجموعته من المثقفين من بين المعارضين القلائل لهذا الرأي الأرثوذكسي.
الاستنتاج الطبيعي من هذا التفسير للأرثوذكسية الماركسية هو ان كل ما يمكن للاشتراكيين فعله حينها هو تقديم الدعم للحكومة المؤقتة وهي تواصل المرحلة الأولى من الثورة لتطوير مجتمعا رأسماليا كاملا وبمجرد اكتمال ذلك، يمكنهم التحريض على ثورة أكثر راديكالية .
أجبرت ثورة فبراير لينين علي إعادة التفكير في العقائد القديمة ووصف موقف الماركسيين الأرثوذكسيين أعلاه بأنه مزيج من الدوغمائية والسلبية ودعا لقيام ثورة اشتراكية لأنه لا يوجد حلا آخرا وكان لابد من تدمير الدولة القيصرية ، من جذورها وفرعها. لذلك قال “لا حل وسط ممكن مع الحكومة التي استمرت في الحرب أو مع الأحزاب التي تدعم مثل هذه الحكومة.”
كان الشعار البلشفي الذي جسد تفكيره التكتيكي هو “السلام والأرض والخبز”. أما بالنسبة للثورة، فقد جادل الآن بأن السلسلة الرأسمالية العالمية سوف تنكسر عند أضعف حلقاتها. وإن كسب العمال والفلاحين الروس لإنشاء دولة اشتراكية جديدة سيمهد الطريق لانتفاضة في ألمانيا ودول أخرى. وقال إنه بدون ذلك سيكون من الصعب بناء أي شكل ذي معنى للاشتراكية في روسيا.
وقام بتفصيل هذا النهج الجديد في “أطروحات أبريل”، لكن كان عليه أن يقاتل بجد لإقناع الحزب البلشفي. وحين شجبه البعض لإدارته ظهره للعقيدة الماركسية المقبولة، اقتبس لينين ميفيستوفيليس من “فاوست” لغوته: “النظرية، يا صديقي ، رمادية ، لكن اللون الأخضر هو شجرة الحياة الأبدية”.
من أوائل المؤيدين للينين كانت النسوية ألكسندرا كولونتاي التي رفضت هي أيضًا التسوية ووصفتها بانها غير ممكنة.
فترة فبراير إلى أكتوبر هي الأكثر انفتاحًا في التاريخ الروسي، فاز لينين بحزبه ، وانضم إلى تروتسكي واستعد لثورة جديدة. داخل مجالس العمال والجنود، أو السوفيتات، بدأت استراتيجية لينين تبدو منطقية لأعداد كبيرة من العمال. فاز البلاشفة بأغلبية في سوفييتات بتروغراد وموسكو، وكان الحزب يتطور بسرعة في أماكن أخرى. أنتج هذا الاندماج بين أفكار لينين السياسية والوعي الطبقي المتنامي بين العمال صيغة ثورة أكتوبر.
بعيدًا عن كونها مؤامرة، ناهيك عن انقلاب، ربما كانت ثورة أكتوبر أكثر انتفاضة مخططة علنًا في التاريخ. ظل اثنان من أقدم رفاق لينين في اللجنة المركزية للحزب يعارضان ثورة فورية ونشرا تاريخ الحدث.
وهكذا فإن الخيار الذي أعقب ثورة أكتوبر 1917 لم يكن بين لينين والديمقراطية الليبرالية. كان الخيار الحقيقي يتحدد بدلاً من ذلك من خلال صراع وحشي على السلطة بين الجيشين الأحمر والأبيض، بقيادة الجنرالات القيصريين الذين لم يخفوا أنهم إذا انتصروا فسيتم إبادة كل البلاشفة واليهود.
لا يهمنا هنا اتفاق أو اختلاف مع لينين أو المراكسة الذين عارضوه أو ساندوه. ما يهمنا هو ان التاريخ كما حدث لا يبرر استدعاء اسمه لبيع تسوية في مثل السياق السوداني.
قال لينين: “السياسة هي تعبير مركز عن الاقتصاد” وستظهر الأيام ما خفي من الاقتصاد السياسي “للتسوية”.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …